وفي مناقب ابن شهرآشوب ان أمير المؤمنين ع انفذ يوم الجمل زيد بن صوحان وعبد الله بن عباس إلى عائشة فوعظاها وخوفاها ثم نقل عن رامش افزاي انها قالت لا طاقة لي بحجج علي فقال ابن عباس لا طاقة لك بحجج المخلوق فكيف طاقتك بحجج الخالق.
كان ابن عباس تلميذ أمير المؤمنين ع وخريجه مضافا إلى ما اخذه عن النبي ص ولذلك كان يسمى حبر الأمة وصحبه في حروبه كلها الجمل وصفين والنهروان وولاه البصرة وكان يعده لمهام الأمور فقد أرسله إلى أم المؤمنين بعد حرب الجمل فكان له في ذلك المقام المشهود والحجة القاطعة واراده للحكومة يوم صفين فابى أهل الجباه السود العمي القلوب وبعثه إلى الخوارج يوم النهروان فاحتج عليهم بأبلغ الحجج وكان له في نصرة أمير المؤمنين وأبنائه مواقف مشهودة منها لما مر بصفة زمزم وسمع شاميا يسب عليا ع ومنها مع عبد الله بن الزبير ومع معاوية وهو الذي كتب إلى يزيد بعد قتل الحسين ع بما كتب وكان يمسك بركاب الحسنين ع إذا ركبا وروى الكشي بسنده أنه قال لما أحضرته الوفاة اللهم إني أحيا على ما حيي عليه علي بن أبي طالب وأموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب.
وقد نسب إليه انه فارق أمير المؤمنين ع واخذ مال البصرة وذهب إلى مكة وأنكر ذلك جماعة روي الكشي في رجاله بسنده عن الزهري عن الحارث قال استعمل علي ص على البصرة عبد الله بن عباس فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وكان مبلغه ألفي ألف درهم فصعد علي ع المنبر حين بلغه ذلك فبكى فقال هذا ابن عم رسول الله ص في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه الحديث وقال ابن الأثير في حوادث سنة 40 في هذه السنة خرج عبد الله بن عباس من البصرة ولحق بمكة في قول أكثر أهل السير وقد أنكر ذلك بعضهم وقال لم يزل عاملا عليها لعلي حتى قتل علي وشهد صلح الحسن مع معاوية ثم خرج إلى مكة والأول أصح وانما كان الذي شهد صلح الحسن عبيد الله بن عباس اه ثم ذكر سبب خروجه وهو انه مر بأبي الأسود وكان على قضاء البصرة فقال لو كنت من البهائم لكنت جملا ولو كنت راعيا لما بلغت المرعى فكتب أبو الأسود إلى أمير المؤمنين ع ان ابن عمك قد اكل ما تحت يديه بغير علمك فكتب إلى ابن عباس في ذلك فكتب إليه ابن عباس ان الذي بلغك باطل فكتب إليه أمير المؤمنين ع اعلمني ما أخذت من الجزية ومن أين أخذت وفيما وضعت فكتب إليه ابن عباس قد فهمت تعظيمك مرزأة ما بلغك اني رزأته فابعث إلى عملك من أحببت وخرج واستدعى أخواله من بني هلال بن عامر فاجتمعت معه قيس كلها فحمل مالا وقال هذه ارزاقنا اجتمعت فتبعه أهل البصرة يريدون اخذ المال فمنعته قيس ومضى إلى مكة اه. وفي نهج البلاغة من كتاب له ع إلى بعض عماله ولم يصرح باسم المكتوب إليه والكتاب يتضمن ذما عظيما للمكتوب إليه ولكن الكشي في رجاله روى بسنده عن الشعبي ان المكتوب إليه هو عبد الله بن عباس لما احتمل بيت مال البصرة وذهب به إلى الحجاز وذكر الكتاب بطوله وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج أيضا ومن جملته فاني أشركتك في أمانتي وجعلتك شعاري وبطانتي ولم يكن في أهلي رجل أوثق منك في نفسي فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب قلبت لابن عمك ظهر المجن ففارقته مع المفارقين وخذلته مع الخاذلين وخنته مع الخائنين فلا ابن عمك آسيت لا الأمانة أديت و وكأنك انما كنت تكيد هذه الأمة عن دنياهم فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة أسرعت الكرة واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وايتامهم فحملته إلى الحجاز غير متأثم من اخذه كأنك لا أبا لغيرك حدرت إلى أهلك تراثك من أبيك وأمك فسبحان الله إما تؤمن بالمعاد أ وما تخاف نقاش الحساب أيها المعدود عندنا كان من اولي الألباب ووالله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة. وبعد تصريح الكشي بان المكتوب إليه ابن عباس لا حاجة إلى ما حكاه ابن أبي الحديد عن أصحاب القول الأول من أنهم استدلوا على ذلك بألفاظ من الكتاب كقوله أشركتك في أمانتي الخ، ولم يكن في أهلي رجل أوثق منك وقوله ابن عمك ثلاث مرات وقوله لا أبا لغيرك وهذه كلمة لا تقال الا لمثله إما غيره من افناء الناس فكان يقال له لا أبا لك وقوله أيها المعدود عندنا من اولي الألباب وقوله لو أن الحسن والحسين الدال على أن المكتوب إليه قريب من أن يجري مجراهما عنده قال الكشي وابن أبي الحديد واللفظ للثاني: فكتب إليه ابن عباس جوابا عن هذا الكتاب: اتاني كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة ولعمري ان حقي في بيت المال أكثر مما أخذت فكتب إليه علي ع ان من العجب ان تزين لك نفسك ان لك في بيت مال المسلمين من الحق أكثر مما لرجل واحد من المسلمين وقد بلغني انك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا تشتري بها مولدات مكة والمدينة والطائف تختارهن على عينك وتعطي فيهن مال غيرك فارجع هداك الله إلى رشدك وتب إلى ربك واخرج إلى المسلمين من أموالهم فعما قليل تفارق من ألفت وتترك ما جمعت وتغيب في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد قد فارقت الأحباب وسكنت التراب وواجهت الحساب غنيا عما خلفت فقيرا إلى ما قدمت.
فكتب إليه ابن عباس انك قد أكثرت علي ووالله لان القى الله قد احتويت على كنوز الأرض كلها وذهبها وعقيانها ولجينها أحب إلي من أن ألقاه بدم امرئ مسلم قال المؤلف ما ذكره ابن الأثير من أنه واجه أبا الأسود بهذا الكلام البشع يصعب تصديقه فابن عباس كان اعرف بفضل أبي الأسود من كل أحد فكيف يواجهه بهذا الكلام الذي لا يصدر الا من الاسافل وابن عباس مع فضله وكمال معرفته لا يمكن ان يفوه بمثل هذا مهما كان السبب الداعي إليه والذي يظهر ان ناسب ذلك إليه أراد الحط من مقام أبي الأسود وابن عباس معا لغرض في نفسه وذلك لاخلاصهما في حب علي ع وتشيعهما له. إما ما رواه أصحاب القول الأول من المكاتبة بين أمير المؤمنين ع وابن عباس فان أمكننا تصديقه لم يمكنا تصديق الجواب الأخير منه المشتمل على قول ابن عباس لان القى الله بكذا أحب إلي من أن القى الله بدم امرئ مسلم فابن عباس مع فضله المشهور كيف يعيب أمير المؤمنين ع بقتل من أمر الله بقتله وقتاله بقوله فقاتلوا التي تبغي وهبه أراد التمويه والاقتداء بمن قال إن عمارا قتله من ألقاه إلينا افتراه كان يجهل ان ذلك مما يعيبه به الناس ويوجب سقوطه من نفوسهم وهو كان شريكا في تلك الدماء فيعيب نفسه قبل ان يعيب غيره وهو ليس بمضطر إلى هذا الجواب كما اضطر من أجاب عن قتل عمار وإن كان قصده بهذا الجواب ابداء عذره امام الناس فلم يصنع شيئا لان الناس يعلمون انه جواب فاسد وانه شريك في تلك الدماء فيزداد بذلك لوما عندهم بدلا من أن يعذروه