فيما يزيد عن أربعة آلاف بيت (1) ويزيد حجمه عن نهج البلاغة، رأيت منه نسخة بدمشق بخط جيد. وذكر في مقدمته أن الجاحظ جمع مائة حكمة شاردة من كلام أمير المؤمنين ع وافتخر بذلك فجمع هو ما يزيد عليها أضعافا مضاعفة، قال في الروضات: مع أن ما جمع في كتاب غرر الحكم هو غير المائة كلمة المشهورة وغير الألف كلمة التي جمعها ابن أبي الحديد في آخر شرح النهج وقال أيضا أن كتاب نثر اللآلئ المذكور غير كتاب نثر اللآلي في الأخبار والفتاوى لابن أبي جمهور الأحسائي انتهى.
وبالمناسبة لا باس أن نذكر هنا ما وجدناه منقولا من قطب الدين الكيدري في شرح نهج البلاغة عن صاحب المنهاج أنه قال: سمعت بعض العلماء بالحجاز ذكر أنه وجد بمصر مجموعا من كلام أمير المؤمنين ع في نيف وعشرين مجلدا انتهى. ولا يستغرب ذلك عن باب مدينة العلم. وعد غير واحد من العلماء كتاب الاحتجاج من مصنفاته وهو غلط بل هو من مصنفات أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي كما صرح به ابن شهرآشوب في معالم العلماء وغيره على ما حكي. وفي الروضات قد يوجد في بعض الفهارس نسبة كتاب الكافي إليه ولا يبعد اشتباهه بكتاب الوافي. أقول بل الظاهر أنه هو الكاف الشاف الذي تقدم ذكره.
حكاية غريبة عنه عن صاحب رياض العلماء أنه قال: مما اشتهر بين الخاص والعام أنه أصابته السكتة فظنوا به الوفاة فغسلوه وكفنوه ودفنوه وانصرفوا، فافاق ووجد نفسه مدفونا فنذر أن خلصه الله من هذه البلية أن يؤلف كتابا في تفسير القرآن، واتفق أن بعض النابشين كان قد قصد قبره في تلك الحال وأخذ في نبشه، فلما نبشه وجعل ينزع عنه الأكفان قبض بيده عليه فخاف النباش خوفا عظيما. ثم كلمه فازداد خوف النباش فقال له: لا تخف وأخبره بقصته. فحمله النباش على ظهره وأوصله إلى بيته فأعطاه الأكفان ووهب له مالا جزيلا وتاب النباش على يده ثم وفي بنذره وألف كتاب مجمع البيان انتهى. قال الفاضل النوري في مستدركات الوسائل بعد نقل هذه الحكاية: ومع هذا الاشتهار لم أجدها في مؤلف أحد قبله. وربما نسبت إلى العالم الجليل المولى فتح الله الكاشاني صاحب تفسير منهج الصادقين وخلاصته وشرح النهج المتوفى سنة تسعمائة وثمان وثمانين انتهى.
أقول ومما يبعد هذه الحكاية مع بعدها في نفسها من حيث استبعاد بقاء حياة المدفون بعد الإفاقة أنها لو صحت لذكرها في مقدمة مجمع البيان لغرابتها، ولاشتمالها على بيان السبب في تصنيفه مع أنه لم يتعرض لها والله أعلم.
جملة من آثاره قال في أمل الآمل: ومن رواياته صحيفة الرضا ع. قال صاحب رياض العلماء على ما حكي عنه في أول بعض نسخ صحيفة الرضا ع هكذا: أخبرنا الشيخ الامام الأجل العالم الزاهد أمين الدين ثقة الاسلام أمين الرؤساء أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي أطال الله بقاه. يوم الخميس غرة شهر الله الأصم رجب سنة 529 قال: أخبرنا الشيخ الامام السيد الزاهد أبو الفتح عبد الله بن عبد الكريم، وفي بعضها يروي تلك الصحيفة عن ذلك السيد قراءة عليه داخل القبة التي فيها قبر الرضا ع غرة شهر الله المبارك سنة إحدى وخمسمائة قال: حدثني الشيخ الجليل العالم أبو الحسن علي بن محمد بن علي الحاتمي الزوزني قراءة عليه سنة 457، انتهى موضع الحاجة.
وتفرد بمقالة في الرضاع معروفة مذكورة في كتب فقهائنا، وهي قوله بعدم اعتبار اتحاد الفحل في نشر الحرمة. ويحكى عنه القول بان المعاصي كلها كبائر وإنما يكون اتصافها بالصغيرة بالنسبة إلى ما هو أكبر منها.
مدة عمره ومدفنه قيل أنه عاش تسعين سنة، وولد في عشر سبعين وأربعمائة، وتوفي سنة اثنتين وخمسمائة والظاهر سقوط لفظة خمسين من تاريخ الوفاة. وكون الولادة في السنة الثانية من عشر السبعين وأربعمائة ليكون عمره تسعين سنة. ولكن عن رجال الأمير السيد مصطفى التفريشي أنه انتقل من المشهد الرضوي إلى سبزوار سنة خمسمائة وثلاث وعشرين، وانتقل بها إلى دار الخلود سنة خمسمائة وثمان وأربعين. وقد سمعت عند تعداد مصنفاته قول صاحب كشف الظنون أنه توفي سنة إحدى وستين وخمسمائة، والله أعلم. وفي الروضات: كانت وفاته ليلة النحر من تلك السنة أي سنة 548، ثم نقل نعشه إلى المشهد المقدس الرضوي وقبره الآن فيه معروف في موضع يقال له قتلگاه أي مكان القتل، وذلك لما وقع فيه من القتل العام بأمر عبد الله خان أمير الأفغان في أواخر دولة الصفوية انتهى. وفي المقابيس قال: نقل أنه دفن في مغتسل الرضا ع بطوس انتهى، وقال بعضهم أن قبره بطوس معروف مشهور يزار ويتبرك به.
نسبته الطبرسي بالطاء المهملة والباء الموحدة المفتوحين والراء الساكنة بعدها مهملة نسبة إلى طبرستان بفتح الطاء والباء وكسر الراء في معجم البلدان.
وعن رياض العلماء هي بلاد مازندران بعينها، وقد يعم بلاد جيلان لاشتراكهم في حمل الطبر انتهى. وفي معجم البلدان الطبر بالتحريك هو الذي يشقق به الأحطاب وما شاكله بلغة الفرس، واستان الموضع أو الناحية كأنه يقول ناحية الطبر. ثم ذكر سبب تسميتها بذلك فقال سببه أن أكثر أهل تلك الجبال كثيرو الحروب، وأكثر أسلحتهم بل كلها الاطبار حتى أنك قل إن ترى صعلوكا أو غنيا إلا وبيده الطبر صغيرهم وكبيرهم، فكانها لكثرتها فيهم سميت بذلك. ومعنى طبرستان من غير تعريب موضع الاطبار والله أعلم انتهى.
والرضوي والمشهدي نسبة إلى مشهد الرضا ع لأنه سكن فيه، ثم أن الطبرسي حيث يطلق ينصرف إلى صاحب الترجمة وإن كان يطلق أيضا على أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي مصنف كتاب الاحتجاج والشيخ محمد بن علي بن شهرآشوب فيكون معاصرا لصاحب الترجمة، لأن ابن شهرآشوب يروي عن صاحب الترجمة أيضا كما مر عند تعداد تلامذته، ويطلق أيضا على ولد صاحب الترجمة رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي صاحب كتاب مكارم الأخلاق المار ذكره،