الليل بيدائي على ظلمائه * تاهت خطاي وضاع ما أتبين اهوى الظلام وعمقه وسكونه * ورؤاه لا تزهو ولا تتلون سوداء حالكة ولو ناجيتها * لفتنت منها بالذي لا يفتن حجبت مفاتنها فلم يطلع على * دنيا الورى الا سراب أدكن حفت به الأشباح ناشزة المنى * مجنونة صخابة لا تذعن يا سائلي... حلم الشريد تشرد * ومصير رحلته ضلال بين طال السرى فيه وذي قدمي وهت * وتلكا الجرح القديم المزمن سالت دماء الجرح تهدي تائها * ضل الطريق وسائرا يتبين بالأمس كنت إذا ألح على دمي * نزفي وناء به الجريح المثخن تأسوا جراحاتي يد مجهولة * ليست يدا تهب الأذى وتمنن قد كان دربي في شعاب غضة * يندى به الحجر المطيع اللين قد كان في هذا الظلام تعلتي * وسرابي العذب الذي لا ياسن قد طال للوادي الخصيب تطلعي * وحنين تطوافي الطويل الموهن لي في حنايا الواد أهل ضيعوا * أثري وفي احشائه لي موطن وقال:
ذكراك في ظمأي وفي بيدائي * كالظل يجذبه خيال الماء فهما غريبا الدار في الصحراء * صبرا على السراء والضراء يتحديان لوافح الرمضاء * ويداعبان حواشي الإمساء ذكراك في عنتي وفي بلوائي * مرت أناملها على أحشائي تستلني من غمرة الأدواء * وتعيدني لعوالم الاحياء وتصوع من صبري ومن إعيائي * أسطورة الآمال والأهواء وبموكب الدنيا على ابطاء * جرجرت خطوي واستعدت مضائي ومضيت في درب الحياة النائي * متلفتا متلهفا لورائي قدامي الدنيا وثم ازائي * من طيفك المشحون بالاصداء شبح هو الدنيا على استعلاء * أهواك في الأوحال والعلياء ما أنت؟ ماض كلما ذكر الهوى * تطوي مواكبه السنين على الطوى فتشل ما فعل الزمان والنوى * وتطيح بالامل الممض وبالجوى أو تذكرين الليل كيف مشى بنا * للخيمة السوداء كيف أظلنا أو تذكرين وقد بنى من شوقنا * وغرامنا المنهوم شامخ عشنا أو تذكرين الساعدين وعنفها قد لفنا * ما أنت؟ ذبت كما أذوب به أنا لهفاتنا لحن الحياة وصمتنا * أوتارها قد شلها صدأ الونا أو تذكرين الحب يهدم ما بنا * ويفيض من عينيك إشعاع المنى سمت السعادة عن مفاهيم المنى * فنشدتها في الموت سعدا هينا أو تذكرين مذ انتشينا والدنى * تسعى مراشفها على اقدامنا تقتات من دمنا وتسرق عطرنا * وتلم اعقاب السعادة حولنا ولوافح الحمى بلاهب ثغرنا * وثمالة المهدور من كأساتنا لتصوع منه للحياة مفاتنا؟
وقال:
محمومة الشفتين لو نطق الدم * لم يعد ما تهذي به وتتمتم حلي البيان بها ونمنم حسنها * ولطالما زان البيان منمنم آمنت بالظما الذي لا يرتوي * وفتنت بالثغر الذي لا يبسم هو في لماك لبانة منهومة * وعلى شفاهك شهوة تتكلم مرت بها القبل الظماء كليلة * لم ترتعش شفة ولم يخفق فم ظلت تحن إلى مباهج أمسها * أيام تنعم بالغرام وينعم أيام كان العمر في آلائه * شفة ترف وقبلة تتلعثم وهوى يطوف على الكؤوس فتنتشي * ورؤى تمر على الجماد فيحلم دنيا كما شاء الشباب رحيبة * ريانة صخابة تتبسم خلقت بها شفتاك معجزة الهوى * متعا إذا سئم إلهنا لا تسام قبلا كالحان الجحيم مرنة * هو جاء تعصف بالشفاه وتهدم قد صنتها عن راحم مترفق * ووهبتها لمغامر لا يرحم راض الشفاه على العنيف المشتهي * نصر الحياة بجامع يستسلم وقال:
الحب واحة عمرنا كم حومت * في فيئها وظلالها صحرائي ما بلل الظما القديم صبابة * تهب الهجير طراوة الأنداء كانت لذاذات وكانت صبوة * والحب عنها كالغريب النائي الحب والإنسان صنوا دوحة * نبتت أصول جذورها بسمائي الله يرعاها ويسقي غرسها * بالدمع بالآلام بالأسماء واللحم تسلية الذئاب وحلمها * ما ذقته الا كفاف غذاء هو جيفة ان لم يعطره الشذا * هو نهشة بتكالب وعواء ذكراك، يا ظما الهجير إلى الندى * وتطلع البأساء بالنعماء ذكراك، يا ماض أفاض وكم سخا * وكسا الحياة روائع الآلاء ذكراك، يا ظل الربيع على الربى * وتفتح الواحات في الصحراء ذكراك، يا أمل الخريف برجعة * للزهر للافياء للانداء وقال:
وطفت على كاسي الحياة سخية * مشحونة الأوتار بالانغام ونسيت اني جائع ثكل إلهنا * لو لم يشعشع نجمه في جامي انا من منحت العمر اكسير إلهنا * من فيض بوهيميتي المترامي فلسفت هذا العمر فلسفة الأولى * عرفوه معرفة الشريد الظامي في حانتي في وحشتي وظلامي * في زحمة الأسقام والآلام هبت على القلب الرضيع نسيمة * للذكريات عطورها بعظامي فاستيقظ القلب الملول وضاع في * صمت السعادة واقع الأيام ومضيت اجتر الزمان ورفده * وصداه والمؤود من أحلامي وقال:
فداء لعطرك هذا الدم * وخفاقه الصارخ الملهم وما ثار في الصدر من عاصفات * وما يعلن القلب أو يكتم فداء الشذا وفداء العبير * جراحاته الصم إذ تبسم تماوجن كالشوك في ورده * ولم أر كالشوك لا يرحم وقال:
انتهيت انتهيت انتهيت... * وما ذا بعيد اللتيا وليت أ ألقى الحياة بثوب الضنا؟ * والبس للعيش اطمار ميت...؟
تناهى الضلال بأقداميه * أ بعد المتاه سكون لبيت؟
نفحت الحياة شواظ المنى وحتى الكويت وبئس المقام * تنكر لي اليوم حتى الكويت مضيت ابتغاء السلو الحزين * إلى عالم جاهل ان مضيت وطوفت في السجف الحالكات وملقت حتى الذي قد أبيت * ورضت الجموح الآبي الشموس آبائي... وإذ ذاك قلت انتهيت