وكان في أول قراءته سافر إلى النجف الأشرف لطلب العلم وبقي فيها قريبا من شهرين والمرض يساوره والسقم يعاوده، فلما رأى أن الجو لا يوافقه والمرض لا يفارقه رجع إلى بلده ثم ارتحل إلى جبل عامل إلى قرية حنويه من قرى ساحل صور ليدرس فيها على الشيخ محمد علي عز الدين، فقرأ عليه شيئا من النحو والمنطق والبيان والفقه في مدة سنتين إلى أن توفي الشيخ فرجع الشيخ عباس إلى بلاده ولم يقرأ بعدها. وحين وصوله إلى حنويه واختلاطه بالطلاب كان كلما سال عن شخص ونسبه قيل له: من آل مروة حتى أجيب بذلك من كثير من الطلبة فاخذ الدواة والقرطاس وكتب بديها:
بنو مروة جل الله خالقهم * غر الوجوه حبوا فضلا وايمانا تسابقوا للعلى من كل ناحية * حتى اجتنبوا صفوها شيبا وشبانا وكان يتطبب كأبيه ويألف مراجعة بعض الكتب الطبية كالقانون لكنه لم يشتغل بالطب.
شعره من شعره قوله:
أقول له العشي مذ التقينا * وذيل الليل ينسدل انسدالا وقد زر الجيوب فقلت يخشى * نموم الريح ان هبت شمالا وطال بنا الحديث ولا عتاب * وقد مال النعاس به فمالا حلال ان تنام وبي أوام * الا هات اسقني الخمر الحلالا وأن فقلت ما ذا قال داء * تسميه المحبون الدلالا فقلت الدال لي دين ولكن * أرى أن الوفاء يعود لا لا وله مجيبا عن كتاب في أمر لا يحب وقوعه تلك الحالة:
لكم التمني بالمحال * والحزم من شيم الرجال ما كان ظن الناس بي * عند التخاصم والجدال أتظن ان تستامني * خسفا وكنفي لا يطال هيهات دون ظنونها * حطم الذوابل والنصال قرف على قرف يجدد * ليس يعقبه اندمال أتحوم نفسي للمطامع * وهي خدع أو ضلال إن لم أنلها عنوة * فلكم كريم لا ينال ولئن أنلها والكريم * مظفر في كل حال فلأبعثن بها مدى * الأيام أمثالا تقال وقوله مخمسا أبيات العباس بن عبد المطلب:
نحن الألى ان دهت في الناس طارقة * لنا سيوف لدى الهيجاء بارقة وكم لنا بالعلى والفضل سابقة * لنا نفوس لنيل المجد عاشقة وإن تسلت أسلناها على الأسل طبنا وطابت أصول من أوائلنا * فلا فضائل الا من فضائلنا وقد أقر الورى طرا لقائلنا * لا ينزل المجد إلا في منازلنا كالنوم ليس له مأوى سوى المقل سل الوقائع هل أبقت على أسد * أسيافنا ولظى الهيجاء في صعد إذا رمتنا يد الاقدار في نكد * يبكي علينا ولا نبكي على أحد فنحن أغلظ أكبادا من الإبل وقوله ملغزا في البرغوث:
عبد نجا من بعد ما حام القضا * من باس راحة قادر تنتاشه عبد يروم عقوق سيده إذا * قرت وسادته وطاب فراشه سلط اللسان كأنه جمر الغضا * أو نصل سهم لا يطيش مراشه لم يكفه ان عقه حتى احتمى * في ظله وعلى دماه معاشه وقوله:
عندي من الجد ما يغني عن الهزل * ومن يراعي ما يزري على الأسل قد ينبئ القلم الجاري بصفحته * ما لا ينبئ بالخرصانة الذبل وطعنة الرمح قد ترجى ولو وقعت * من اليراع لساقت أبعد الاجل وقوله على طريقة أهل التصوف:
أيها المهتم بالتدبير * ان الهم فان لا تكن بالامر مهتما * فما شئناه كان وقوله في رأس عين بعلبك ارتجالا:
رأس عين البعل من جنة عدن * ماؤها بين رياض تحتويه كلما تنقل فيها من محل * لمحل تجد البهجة فيه ووجد في مجموعة له ما صورته: مما اتفق لي مع علامة الزمان وأوحد العصر والأوان علم الاعلام وقدوة العلماء العظام شيخي وأستاذي الشيخ محمد علي عز الدين حينما كنت متشرفا بخدمته لطلب العلم الشريف ان دعينا لبلد في جبل عامل اسمها الشعيثية للنزهة عل ماء يجري في فصل الربيع وقبل خروجنا حصلت قضية بيني وبينه منعتني عن التوجه بخدمته فلما وصل المكان المقصود تفقدني فلم يجدني فأرسل إلي رسولا ومعه هذان البيتان:
أتعتب حيثما حق العتاب * عليكم انه العجب العجاب فاقبل كي يعود العتب حبا * فان الحق ليس به ارتياب فأجبته وأكثر الجواب بديهة:
أتاني مثلما أبغي خطاب * ولولا الله لم يكن خطاب بألفاظ تراها من صواب * ولكن في مطاويهن صاب تقول علي قد حق العتاب * وتعجب انه العجب العجاب وتدعوني لعود العتب حبا * متى امسى لدي به انقلاب ودعوى الحق نحن بها سواء * إذا عن وجهه انكشف النقاب سيعلم في الغداة إذا التقينا * من الرجل الذي منه الصواب أأترك غبرتي وأبيع حزمي * وأغضي للإهانة أو اهاب ولي همم أبت إلا سموا * إلى العليا ونفس لا تعاب إذا لا ذر لي في المجد نجم * ولا ضربت على الجوزا قباب قال وكان ولده الأخ الوفي والخل الصفي الورع الأمين الشيخ علي عز الدين ارسل لي كتابا من بيروت حينما كان في مخاصمة مع يوسف آغا المملوك في عهد قائم مقامية مصطفى أفندي القنواتي في صور وكان الشيخ علي المذكور سجن في متصرفية بيروت عن أمر والي الشام حمدي باشا ولم أر الكتاب وانه عاتب علي لعدم الجواب فأجبته بكتاب وضمنته هذه الأبيات: