هذا أهجى من الأول ثم وصله فحلف أنه يمدحه ما عاش فقال فيه:
سالت الندى لا عدمت الندى * وقد كان منا زمانا غرب فقلت له طال عهد اللقا * فقد غبت بالله أم لم تغب فقال بلى لم أزل غائبا * ولكن قدمت مع المطلب قال القاضي زكريا بن المعافي في هذا الخبر ما يدل على دهاء دعبل ولطف حيلته وأنباء عن ذكاء المطلب ودقة فطنته وقد روي مثل هذا عن معن بن زائدة فإنه أتى بجماعة فامر بقتلهم فقال له أحدهم أعيذك تالله أن تقتلنا عطاشى فامر بسقيهم فلما شربوا قالوا أيها الأمير لا تقتل أضيافك فامر بتخليتهم اه قال المؤلف قصة ممن لا تشبه قصة المطلب فمعن تحرموا بشرابه والمطلب نسبه دعبل إلى البخل إذ علق قتله على امر لا يقع بادعائه ولهذا قال له المطلب هذا أهجى من الأول.
الأغاني بسنده: لما قصد دعبل المطلب بن عبد الله بن مالك إلى مصر ولم يرض ما كان منه إليه قال فيه:
أمطلب أنت مستعذب * حميا سمام الأفاعي ومستقبل فان أشف منك تكن سبة * وإن أعف عنك فما تعقل ستأتيك أما وردت العراق * صحائف يأثرها دعبل منمقة بين أثنائها * مخاز تحط فلا ترحل وضعت رجالا فما ضرهم * وشرفت قوما فلم ينبلوا فأيهم الزين وسط الملا * عطية أم صالح الأحول أم الباذجاني أم عامر * أمين الحمام التي تزجل تنوط مصر بك المخزيات * وتبصق في وجهك الموصل ويوم السراة تحسيتها * يطيب لدى مثلها الحنظل توليت ركضا وفتياننا * صدور القنا فيهم تعسل إذا الحرب كنت أميرا لها * فحظهم منك أن يقتلوا فمنك الرؤوس غداة اللقا * وممن يحاربك المفصل شعارك في الحرب يوم الوغى * إذا انهزموا عجلوا عجلوا هزائمك الغر مشهورة * يقرطس فيهن من يفضل فأنت لأولهم آخر * وأنت لآخرهم أول وفي الأغاني بسنده عن إبراهيم بن المدبر كنت أنا وإبراهيم بن العباس رفيقين نستكتب الشعر وأنشدني قصيدة دعبل هذه في المطلب بن عبد الله قال وقال لي دعبل نصفها لي ونصفها لإبراهيم بن العباس كنت أقول مصراعا ويجيزه ويقول مصراعا وأجيزه.
قال المؤلف مرت أبيات أربعة له برواية الأغاني على الوزن والقافية وهي موجودة في ضمن هذه القصيدة مع بعض التغيير والظاهر أن سببه اختلاف الرواية.
1 تلعق مصر بك المخزيات وهنا تنوط مصر البيت.
2 وعاديت قوما فما ضرهم وهنا وضعت رجالا البيت.
3 شعارك عند الحروب النجا البيت وهنا شعارك في الحرب البيت.
4 فأنت إذا ما التقوا آخر البيت وهنا فأنت لأولهم البيت.
وقد جعل هجاء دعبل له مما عيب به دعبل بأنه هجا من هو من عشيرته مع إحسانه إليه ولكن دعبلا كما ذكرنا في غير الموضع لم يهج غالبا إلا من أساء إليه ولم تكن تمنعه هيبة أحد ولا إحسانه من هجوه إذا أساء إليه. وكانت إساءته إليه ما مر في قصة أحمد السراج. في الأغاني بسنده أن المأمون قال لأبي دلف أي شئ تروي لأخي خزاعة يا قاسم قال أي أخي خزاعة يا أمير المؤمنين قال ومن تعرف فيهم شاعرا قال اما من أنفسهم فأبو الشيص وابنه ودعبل وداود بن أبي رزين واما من مواليهم فطاهر وابنه عبد الله فقال من عسى في هؤلاء ان يسأل عن شعره سوى دعبل فقال وأي شئ أقول في رجل لم يسلم عليه أهل بيته حتى هاجم فجعل كل حسنة منهم بإزاء سيئة حين يقول في المطلب بن عبد الله بن مالك وهو أصدق الناس له وأقربهم منه وقد وفد إليه إلى مصر فأعطاه الجزيلة وولاه ولم يمنعه ذلك أن قال فيه:
اضرب ندى طلحة الطلحات متئدا * بلؤم مطلب فينا وكن حكما تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم * فلا تحس لها لؤما ولا كرما فقال المأمون قاتله الله ما أغوصه وألطفه وأدهاه وجعل يضحك اه.
يستفاد من هذا الخبر فوائد 1 مكانة شعر دعبل في نفس المأمون حتى جعل يسأل عنه أبا دلف 2 امتياز دعبل عمن ذكره أبو دلف معه من الشعراء فإذا سئل عن شعر أخي خزاعة لم يتبادر إلى الذهن غيره 3 تجاهل أبي دلف المسؤول عنه وعدم عده دعبلا في شعراء خزاعة يدل على شئ في نفسه من دعبل ولعله قد هجاه والا فلم يكن يخفى عليه انه هو المسؤول عن شعره 4 المأمون لم يلتفت إلى قدح أبي دلف فيه بل أعجب بغوصه على المعاني ولطفه ودهاه 5 ان دعبلا من خزاعة أنفسهم وان آل طاهر من موالي خزاعة لا من أنفسهم.
الأغاني بسنده كان سبب سخط دعبل على المطلب أن رجلا من العلويين كان قد تحرك بطنجة فكان يبث دعاته إلى مصر وخافه المطلب فوكل بالأبواب من يمنع الغرباء دخولها فلما جاء دعبل منع فاغلظ للذي منعه فقنعه بالسوط وحبسه فمضى رزين فأخبر المطلب فامر باطلاقه ودعا به فخلع عليه فقال له لا أرضى أو تقتل المتوكل بالباب فقال له هذا لا يمكن لأنه قائد من وقاد السلطان فغضب اه أقول طلب دعبل قتل المتوكل بالباب نوع من الجنون يبعد صدوره من دعبل والمعقول أنه طلب معاقبته فلم يعاقبه المطلب فغضب دعبل وأنضاف إلى ذلك ما سبق من أمر أحمد البراج ويمكن أن يكون انضاف ما لم نطلع عليه والله أعلم ولكنه لما مات المطلب رثاه بأحسن الرثاء وأجوده.
خبره مع هاشمي يتولى ناحية الشام الأغاني بسنده استدعى بعض بني هاشم دعبلا وهو يتولى للمعتصم ناحية من نواحي الشام فقصده إليها فلم يقع منه بحسن ظن وجفاه فكتب إليه دعبل:
دليتني بغرور وعدك في * متلاطم من حومة الغرق حتى إذا شمت العدو وقد * شهر انتقاصك شهرة البلق