وكان يقول ما رأيت رجلا اعلم بالسنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد وكان يقول أكلت الدنيا بعلم الخليل بن أحمد وكتبه وهو في خص لا يشعر به وكان يحج سنة ويغزو سنة وكان من الزهاد المنقطعين إلى الله تعالى وكان يقول إن لم تكن هذه الطائفة أي الزهاد أولياء الله فليس لله ولي اه.
وفي شذرات الذهب في حوادث سنة 170 فيها مات امام اللغة والعروض والنحو الخليل بن أحمد الفراهيدي وقيل سنة 175 وهو الذي استنبط علم العروض وحصر أقسامه في خمس دوائر واستخرج منها خمسة عشر بحرا وزاد فيها الأخفش بحرا اسماه الخبب وهو في اختراعه بديهة كاختراع أرسطاطاليس علم المنطق ومن تأسيس بناء كتاب العين الذي يحصر لغة أمة من الأمم وهو أول من جمع حروف المعجم في بيت واحد فقال:
صف خلق خود كمثل الشمس إذ بزغت * يحظى الضجيع بها نجلاء معطار وكان مع ذلك صالحا قانعا قال النضر أقام في خص بالبصرة لا يقدر على فلس وعلمه قد انتشر وكسب به أصحابه الأموال وكان من الزهد في طبقة لا تدرك حتى قيل إن بعض الملوك طلبه ليؤدب له أولاده فاتاه الرسول وبين يديه كسر يابسة يأكلها فقال قل لمرسلك ما دام يلقى مثل هذه لا حاجة به إليك ولم يأت الملك. وقال الواحدي في تفسيره الاجماع منعقد على أنه لم يكن أحد اعلم بالنحو من الخليل. وفي العبر الخليل بن أحمد الأزدي البصري أبو عبد الرحمن صاحب العربية والعروض كان إماما كبير القدر خيرا متواضعا فيه زهد وتقشف وفي لفظ آخر ذا زهد وعفاف اه الشذرات. وفي الرياض عن هامش جمهرة ابن دريد قال ولعله من الأصل قال أبو داود المصاحفي سمعت النضر بن شميل يقول: ما رأى الراؤون مثل الخليل ولا رأى الخليل مثل نفسه وفي الرياض عن الأزهري استخرج الخليل من العروض واستنبط من النحو ومن علله ما لم يستخرج أحد ولم يسبقه إلى علمه سابق من العلماء كلهم اه. وبلغ من زهده ما حكاه النضر قال كان الخليل أشعث الرأس شاحب اللون شعث الهيئة منخرق الثياب منقطع القدمين مغمورا في الناس لا يعرف اه وما ضره ذلك وقد بقي ذكره أبد الدهر زاهيا زاهرا أضوع من المسك وأنور من النيرين وفي مرآة الجنان في حوادث سنة 170 فيها توفي امام اللغة والعروض والنحو الخليل بن أحمد وهو الذي استنبط علم العروض قال حمزة بن الحسن الأصفهاني في كتابه التنبيه على حدوث التصحيف ان دولة الاسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي لم يكن لها عند علماء العرب أصول من الخليل. وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض الذي لا عن حكيم اخذه ولا على مثال تقدمه احتذاه وانما اخترعه من ممر له بالصفارين من وقع مطرقة على طست ليس فيها حجة ولا بيان يؤديان إلى غير حليتهما أو يفسران غير جوهرهما فلو كانت أيامه قديمة ورسومه بعيدة لشك فيه بعض الأمم لصنعته ما لم يصنعه أحد منذ خلق الله الدنيا من اختراعه العلم الذي قدمت ذكره ومن تأسيسه بناء كتاب العين الذي يحصر لغة أمة من الأمم قاطبة ثم من امداده سيبويه من علم النحو بما صنف منه كتابه الذي هو زينة لدولة الاسلام اه وفي مرآة الجنان وقيل هو في اختراعه علم المنطق الذي هو ميزان المعالي وصحة البرهان اه وتشبيه العروض بالمنطق مناسب جدا فالعروض لا يحتاجه معتدل السليقة بل يمكنه معرفة الوزن الصحيح من الفاسد بفهمه وسليقته كما كانت تعرفه العرب وان كانت العرب قد تخرج عن ذلك كما قالوا في:
اشدد حيازيمك للموت * فان الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت * إذا حل بناديكا فجعلوا اشدد زائدة ووزن البيت حيازيمك للموت كما انها قد تخالف قواعد النحو فيسمون ذلك ضرورة أو شذوذا وفي الشعر اقواء كذلك المنطق الذي انما يعصم عن الخطأ في صورة الاشكال لا في مادتها يمكن الاستغناء عنه لذي الفطنة القوية وتعصم مراعاته عن الخطأ الذي قد يقع أحيانا. وفي مرآة الجنان عن بعض المؤرخين: كان الخليل رجلا صالحا عاقلا حليما وقورا. وقال ابن شهرآشوب في المناقب: من دار علي ع خرج العروض روي أن الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض من رجل من أصحاب محمد بن علي الباقر أو علي بن الحسين ع فوضع لذلك أصولا اه وفي كتاب الفلاكة والمفلوكين كان الخليل إماما في علم النحو وهو الذي استنبط العروض وعنه أخذ سيبويه وغيره كان متقللا من الدنيا صبورا على العيش الخشن الضيق وكان يقول لا يجاوز همي ما وراء بأبي وفي مروج الذهب عند ذكره خلافة الراضي أن عمرو بن بحر الجاحظ ذكر في كتابه في تفصيل صنعة الكلام وهي الرسالة المعروفة بالهاشمية أن الخليل بن أحمد من اجل احسانه في النحو والعروض وضع كتابا في الايقاع وتراكيب وهو لم يعالج وترا قط ولا مس بيده قضيبا قط ولا كثرت مشاهدته للمغنين وكتب كتابا في الكلام ولو جهد كل بليغ في الأرض أن يتعمد ذلك الخطأ والتعقيد لما وقع له ولو أن محرورا استغرق قوى مرته في الهذيان لما تهيا له مثل ذلك منه ولا يتأتى مثل ذلك لاحد الا بخذلان الله الذي لا يقي منه شئ ولولا أن أسخف الكتاب وأهجر الرسالة وأخرجها من حد الجد إلى الهزل حكيت صدر كتابه في التوحيد وبعض ما وصفه في العدل ولم يرض بذلك حتى عمد إلى الشطرنج فزاده في الدولاب حملا فلعبت به أناس من حاشية الشطرنجيين ثم رموا به اه وقد شهد له الجاحظ بأنه وان ألف في الايقاع وتراكيب الأصوات لم يباشر شيئا من ذلك بل كان تأليفه من باب العلم بالسحر وعدم العمل به لكن ذم تأليفه في الكلام وبالغ في ذلك ولسنا ندري مبلغ الصحة في هذا الذم لأننا لم نر الكتاب الا أننا نعلم أن الجاحظ بقوة بيانه إذا ذم شيئا أو مدحه يصوره بخلاف ما هو عليه في الواقع وأنه إذا تعصب لأمر أخرجه عن صفته تهجينا ومدحا واستنبط الأساليب في ذلك فلسنا نطمئن إلى صحة قوله وفي بغية الوعاة كان آية في الذكاء وكان الناس يقولون لم يكن في العرب بعد الصحابة أذكى منه ثم ذكر حكاية الدواء لظلمة العين. وفي محاضرات الراغب قيل أربعة لم يدرك مثلهم في الاسلام في فنونهم وعد منهم الخليل بن أحمد.
وفي بعض المجلات المصرية: كان الخليل آية من الآيات في الذكاء ودقة التصور وتوقد الفطنة وصدق الحدس وسعة الحافظة وقوة الذاكرة ورجاحة العقل حتى كانوا يقولون: لا يجوز على الصراط أحد بعد الأنبياء أدق ذهنا من الخليل ولا حاجة بنا إلى برهان أنصع من هذه المبتكرات التي أخرجها للناس من العروض والموسيقي وكتاب العين والشكل كما يأتي وقد نقل عنه أهل العلم حكايات من هذا الشأن تتجاوز حد التصديق لولا ثقة رواتها وتكاثر نقلتها من ذلك أنه جاءته رسالة غربية مكتوبة بالحرف السرياني فقرأها وهو لا يعرف شيئا عن الحرف السرياني ولكنه استعان بما