الكردية مع ابنها أبي تغلب على القبض على ناصر الدولة كما مر في ترجمته فكتب إلى ابنه حمدان يستدعيه ليقوى به عليهم فظفروا بالكتاب وخافوا أباهم ونقلوه إلى قلعة كواشي وبلغ ذلك حمدان فعظم عليه وصار عدوا مباينا لهم وكان قد سار عند وفاة عمه سيف الدولة من الرحبة إلى الرقة فملكها وسار إلى نصيبين وجمع من أطاعه وطالب اخوته بالافراج عن والده وكان أشجعهم فسار أبو تغلب إليه ليحاربه فانهزم إلى الرقة قبل اللقاء فنازله أبو تغلب وحصره ثم اصطلحا على ذلك فلما مات ناصر الدولة في ربيع سنة 358 قبض أبو تغلب املاك أخيه حمدان وسير أخاه أبا البركات إلى حرب أخيه حمدان فلما قرب من الرحبة استأمن إليه كثير من أصحاب حمدان فانهزم حمدان وقصد العراق مستأمنا إلى بختيار فوصل بغداد في شهر رمضان سنة 358 فأكرمه بختيار وعظمه وحمل إليه هدية كثيرة جليلة المقدار ومعها كل ما يحتاج إليه مثله وأرسل إلى أبي تغلب النقيب أبا احمد الموسوي والد الشريف الرضي في الصلح مع أخيه فاصطلحوا وكان أبو أحمد ميمون النقيبة يصلح بين الملوك والامراء كما قال الشريف الرضي:
مؤلف ما بين الملوك إذا هفوا * وأشفوا على حز الرقاب وأشرفوا وعاد حمدان إلى الرحبة وكان مسيره من بغداد في جمادى الأولى سنة 359 فلما سمع أبو البركات بمسير أخيه حمدان على هذه الصورة فارق الرحبة ودخلها حمدان وأرسله أبو تغلب في الاجتماع به فامتنع فسير إليه أبا البركات فلما علم حمدان بذلك فارقها فاستولى عليها أبو البركات واستناب بها من يحفظها وعاد منها فلما سمع حمدان بعوده عنها وكان في برية تدمر عاد إليها ليلا في شعبان فاصعد جماعة من غلمانه السور وفتحوا له باب البلد فدخله ولا يعلم بذلك من به من الجند فلما أصبح امر بضرب البوق فبادر من بها من الجند متقطعين يظنون أن البوق من خارج البلد وكل من وصل إلى حمدان اسره حتى اخذهم جميعا فقتل بعضا واستبقى بعضا فلما سمع أبو البركات بذلك عاد إلى قرقيسا واجتمع هو وأخوه حمدان فلم يستقر بينهما قاعدة فقال أبو البركات لحمدان انا أعود إلى عربان وأرسل أنت إلى أبي تغلب لعله يجيب إلى ما تلتمسه منه فسار عائدا إلى عربان وعبر حمدان الفرات من مخاضة وسار في اثره فأدركه بعربان وهو آمن واشتد القتال بينهم وحمل أبو البركات في وسطهم فضربه حمدان فألقاه واخذه أسيرا فمات من يومه وتجهز أبو تغلب ليسير إلى محمد إلى نصيبين فلما وصلها حمدان وقدم أمامه أخاه أبا الفوارس كاتب أخاه حمدان ومالا على أبي تغلب فأرسل إلى أبي الفوارس يستدعيه ليزيد في اقطاعه فلما حضر عنده قبض عليه فسار إبراهيم والحسين ابنا ناصر الدولة إلى أخيهما حمدان خوفا من أبي تغلب وساروا إلى سنجار وسار أبو تغلب إليهم ولم يكن لهم به طاقة فراسله إبراهيم والحسين في العودة إليه خديعة منهما ليقتلاه غيلة فقبل فهربا إليه وتبعهما كثير من أصحاب حمدان فعاد حمدان من سنجار إلى عربان واستأمن إلى أبي تغلب صاحب حمدان واطلعه على حيلة أخويه عليه فأراد القبض عليهما فهربا. ثم إن نما غلام حمدان ونائبه بالرحبة اخذ جميع ماله بها وهرب إلى أصحاب أبي تغلب بحران فاضطر حمدان للعود إلى الرحبة وأرسل أبو تغلب سرية عبروا الفرات وكبسوا حمدان بالرحبة فهرب وسار حمدان إلى بغداد فدخلها آخر ذي الحجة سنة 360 ملتجئا إلى بختيار ومعه اخوه إبراهيم فحمل إليهما بختيار هدايا جليلة كثيرة المقدار وأكرمهما واحترمهما. وقال ابن الأثير أيضا في حوادث سنة 362 فيها في شوال ملك أبو تغلب بن حمدان قلعة ماردين سلمها إليه نائب أخيه حمدان فاخذ أبو تغلب كل ما كان لأخيه فيها من أهل ومال وأثاث وسلاح وحمل الجميع إلى الموصل. وفي ديوان أبي فراس انه قال هذه الأبيات عند اجتماع الامراء بالرقة لما حاصر أبو تغلب الغضنفر بن ناصر الدولة أخاه حمدان بها وكتب بها إلى أبي الفضل بن ناصر الدولة فقال:
المجد بالرقة مجموع * والفضل مرئي ومسموع ان بها كل عميم الندى * يداه للجود ينابيع وكل مبذول الندى بيته * بيت على العلياء مرفوع لكن اتاني خبر رائع * يضيق منه السمع والروع ان بني عمي وحاشاهم * شعبهم بالخلف مصدوع ما لعصى قومي قد شقها * تفارط منهم وتضييع بنو أب فرق ما بينهم * واش على الشحناء مطبوع عودوا إلى أحسن ما بينكم * سقتكم الغر المرابيع لا يكمل السؤدد في ماجد * ليس له عود ومرجوع انبذل الود لأعدائنا * وهو عن الاخوة ممنوع ويوصل الأبعد من غيرنا * والنسب الأقرب مقطوع لا يثبت العز على فرقة * غيرك بالباطل مخدوع مدائح السري الرفا فيه قال يمدحه ويهنئه بالبرء من علة نالته:
أعن الأهلة في الدياجر * سفرت لنا والبين سافر أم عن محاجر ربرب * كشفت لنا تلك المعاجر أظباء وجرة أقصدتك * بسحر أجفان فواتر جنت الهوى وتنصلت * باللحظ من تلك الجرائر حتى أخذن من المناطق * للذي تحوى المآزر لأخاطرن وما المنى * في الحب الا للمخاطر فلأوضحن صبابتي * بالدمع في الدمن الدواثر تالله أغدر بالهوى * ما دمت مسود الغدائر ولكم هصرت غصون عيش * مورق الأفنان ناضر ووجدت عدل الدهر حكم * مسفه ووفاء غادر وعلى الأمير أبي المظفر * في الندى تثنى الخناصر وعليه تزدحم العلى * دون البرية والمآثر ملك إلى أفعاله * تنمى المناقب والمفاخر كثرت مواهبه وقلت * عند طالبها المعاذر ذخر الثناء وفرقت * يمناه مجتمع الذخائر وأقام يعمل في العدو * ظبا العواسل والبواتر متقبلا شرف الأراقم * كابرا منهم فكابر أقمار مجد تنجلي * بضيائها ظلم الدياجر وجبال أحلام تقلهم * الأسرة والمنابر آساد كل كريهة * فتكت باساد خوادر وترى السوابغ والقنا * مثل الغلائل والمخاصر وتركن وسم أهلة * في الصخر من وقع الحوافر فبكرن يحجبن الصباح * بقسطل في الجو ثائر غدوا وطيب ثنائهم * ينبيك عن طيب العناصر