أخباره في عمدة الطالب انه لما توفي عيسى بن زيد أوصى إلى صاحبه ووزيره والمطلوب به حاضر بابنيه احمد وزيد وهما طفلان فجاء بهما حاضر إلى باب الهادي موسى بن محمد بن المنصور واستأذن عليه وسلمهما اليه فوضعهما على فخذه وبكى في خبر طويل ذكر في ترجمة عيسى. وفي مقاتل الطالبيين في ترجمة عيسى بن زيد ان المهدي بلغه خبر دعاة ثلاثة لعيسى بن زيد وهم ابن علاق الصيرفي وحاضر مولى لهم وصباح الزعفراني فظفر بحاضر وقتله ثم مات عيسى فأراد الزعفراني الحسن بن صالح بن حي الذي كان عيسى مختفيا عنده على أن يذهب الزعفراني إلى المهدي ويخبره بوفاة عيسى ليتخلصوا من الخوف فلم يقبل وقال لا والله لا نبشر عدو الله بموت ولي الله والله لليلة يبيتها خائفا منه أحب من جهاد سنة وعبادة بها ومات الحسن بن صالح بعد عيسى بشهرين. فحدث صباح الزعفراني قال: لما مات عيسى اخذت أحمد بن عيسى وأخاه زيدا فجئت بهما إلى بغداد فجعلتهما في موضع أثق به عليهما ثم لبست اطمارا وجئت إلى دار المهدي فسالت ان أوصل إلى الربيع وان يعرف ان عندي نصيحة وبشارة بأمر يسر الخليفة فدخلوا فاعلموه فخرجوا إلي فاذنوا لي فدخلت عليه فقال ما نصيحتك فقلت ما أقولها الا للخليفة فقال لا سبيل إلى ذلك دون ان تعلمني النصيحة ما هي فقلت: اما النصيحة فلا أذكرها الا له ولكن اخبره اني صباح الزعفراني داعية عيسى بن زيد فأدناني منه فقال يا هذا ليس يخلو أن تكون صادقا أو كاذبا وهو على الحالين قاتلك ان كنت صادقا فأنت تعرف سوء اثرك عنده وطلبه لك وبلوغه في ذلك أقصى الغايات وحرصه عليه وحين تقع عينه عليك يقتلك وان كنت كاذبا وانما أردت الوصول اليه من اجل حاجة لك غاظه ذلك من فعلك فيقتلك وانا ضامن لك قضاء حاجتك كائنة ما كانت لا استثني بشئ فقلت: انا صباح الزعفراني والله الذي لا إله إلا هو ما لي اليه حاجة ولو أعطاني كل ما يملك ما أردته ولا قبلته وقد قصدتك فان أخبرته والا توصلت اليه من جهة غيرك فقال اللهم اشهد اني برئ من دمه ثم وكل بي جماعة من أصحابه وقام فدخل فما ظننت انه وصل حتى نودي هاتوا الصباح الزعفراني فأدخلت إلى الخليفة فقال لي أنت صباح الزعفراني قلت نعم قال فلا حياك الله ولا بياك ولا قرب دارك يا عدو الله أنت الساعي على دولتي والداعي إلى أعدائي؟ قلت: انا والله هو وقد كان كلما ذكرته. فقال: فأنت إذا الخائن الذي أتت به رجلاه أ تعترف بهذا مع ما اعلمه منك وتجيئني آمنا فقلت اني جئتك مبشرا ومعزيا قال: مبشرا بما ذا ومعزيا بمن؟ قلت: اما البشرى فبوفاة عيسى بن زيد وأما التعزية فبه لأنه ابن عمك ولحمك ودمك، فحول وجهه إلى المحراب وسجد وحمد الله ثم اقبل علي فقال: ومنذ كم مات؟ قلت منذ شهرين، قال: فلم لم تخبرني بوفاته إلى الآن؟ قلت منعني الحسن بن صالح، واعدت عليه بعض قوله:
فقال وما فعل؟ قلت: مات ولولا ذلك ما وصل إليك الخبر ما دام حيا.
فسجد سجدة أخرى وقال: الحمد لله الذي كفاني امره فلقد كان أشد الناس علي ولعله لو عاش لأخرج علي غير عيسى سلني ما شئت فوالله لأغنيتك ولا رددتك عن شئ تريده. قلت والله ما لي حاجة ولا أسألك شيئا إلا حاجة واحدة، قال وما هي؟ قلت: ولد عيسى بن زيد والله لو كنت أملك ما أعولهم به ما سألتك في امرهم ولا جئتك بهم أطفالا يموتون جوعا وضرا وهم ضائعون وما لهم شئ يرتجعون اليه انما كان أبوهم يستقي الماء ويعولهم وليس لهم الآن من يكفلهم غيري وانا عاجز عن ذلك وهم عندي في ضنك وأنت أولى الناس بصيانتهم وأحق بحمل ثقلهم وهم من لحمك ودمك وأيتامك وأهلك فبكى حتى جرت دموعه ثم قال إذا والله يكونون عندي بمنزلة ولدي لا أؤثر عليهم بشئ فأحسن الله يا هذا جزاءك عني وعنهم فلقد قضيت حق أبيهم وحقوقهم وخففت عني ثقلا وأهديت إلي سرورا عظيما قلت ولهم أمان الله ورسوله وأمانك وذمتك وذمة آبائك في أنفسهم وأهليهم وأصحاب أبيهم لا تتبع أحدا منهم بتبعة ولا تطلبه قال: ذلك لك ولهم أمان الله وأماني وذمتي وذمة آبائي فاشترط ما شئت فاشترطت عليه واستوفيت حتى لم يبق في نفسي شئ ثم قال يا جنيني كذا واي ذنب لهؤلاء وهم أطفال صغار والله لو كان أبوهم بموضعهم حتى يأتيني أو اظفر به ما كان له عندي الا ما يجب فكيف بهؤلاء اذهب يا هذا أحسن الله جزاءك فجئتني بهم واسالك بحقي ان تقبل مني صلة تستعين بها على معاشك فقلت اما هذا فلا فإنما انا رجل من المسلمين يسعني ما يسعهم وخرجت فجئته بهم فضمهم اليه وامر لهم بكسوة ومنزل وجارية تحضنهم ومماليك تخدمهم وأفرد لهم في قصره حجرة وكنت أتعهدهم فاعرف اخبارهم فلم يزالوا في دار الخلافة إلى أن قتل محمد الأمين فانتشر امر دار الخلافة وخرج من كان فيها فخرج أحمد بن عيسى فتوارى وكان اخوه زيد قد مرض قبل ذلك ومات، قال أبو الفرج حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار بهذا الخبر على خلاف هذه الحكاية ثم روى بسنده ان عيسى بن زيد صار إلى الحسن بن صالح فتوارى عنده حتى مات في أيام المهدي، فقال الحسن لأصحابه لا يعلم بموته أحد فيبلغ السلطان فيسر بذلك ولكن دعوه بخوفه ووجله منه وأسفه عليه حتى يموت ولا تسروه بوفاته فيأمن مكروهه فلم يزل ذلك مكتوما حتى مات الحسن بن صالح فصار إلى المهدي رجل يقال له ابن علاق الصيرفي وكان اسمه قد وقع اليه فأخبره بوفاة عيسى وموت الحسن بن صالح، فقال: ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا فسل حاجتك؟ قال ولده تحفظهم فوالله ما لهم من قليل ولا كثير وكان الحسن بن عيسى بن زيد قد مات في حياة أبيه وكان حسين متزوجا ببنت حسن بن صالح فاتاه احمد وزيد ابنا عيسى فنظر اليهما وأجرى لهما أرزاقا ومضيا باذنه إلى المدينة فمات زيد بها وبقي احمد إلى خلافة الرشيد وصدرا من خلافته وهو ظاهر، ثم بلغ الرشيد بعد ذلك أنه يتنسك ويطلب الحديث فيجتمع اليه الزيدية فبعث فاخذه وحبسه مدة إلى أن أمكنه التخلص من الحبس اه والتفاوت بين هذا الخبر والذي قبله انه في الأول ذكر ان الذي جاء المهدي بهما هو صباح الزعفراني، وفي هذا أن الذي جاءه بهما ابن علاق الصيرفي وفي الأول انهما بقيا في دار الخلافة إلى آخر أيام الأمين وفي هذا انهما ذهبا إلى المدينة في أيام الرشيد والله أعلم.
وفي المقاتل ان أحمد بن عيسى وشي به وبالقاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين إلى الرشيد فامر بإشخاصهما اليه من الحجاز وحبسهما عند الفضل بن الربيع في سعة فدس اليهما بعض الزيدية فالوذجا في جامات إحداها منبج فأطعماه الموكلين وخرجا، وقيل بل كان الموكلون نياما فاخذ أحمد بن عيسى كوزا فشرب منه ثم رمى به ليعلم أ هم نيام أم مستيقظون فلم يتحرك منهم أحد، فأخبر القاسم فنهاه عن الخروج فلم يقبل فقال له انك ان لم تخرج معي لم تسلم ثم اخذ أحمد بن عيسى جرة ليشرب منها ثم رمى بها من قامته فلم يتحركوا فخرجا وتخالفا في الطريق وتواعدا مكانا ومضى أحمد بن عيسى حتى أتى منزل محمد بن إبراهيم الذي يقال له إبراهيم الامام فدخله وقال له لقد رأيتك موضعا لدمي فاتق الله في فادخله