سار نحو العراق نجدة له في الظاهر وباطنه بضد ذلك فسار في عساكر فارس واجتمع به أبو الفتح بن العميد وزير أبيه ركن الدولة في عساكر الري بالأهواز وساروا إلى واسط، فلما سمع الفتكين بوصولهم رجع إلى بغداد وعزم على أن يجعلها وراء ظهره ويقاتل على ديالى ووصل عضد الدولة فاجتمع به بختيار وسار عضد الدولة إلى بغداد في الجانب الشرقي وأمر بختيار ان يسير في الجانب الغربي، ولما سمع أبو تغلب بقرب الفتكين منه عاد عن بغداد إلى الموصل لأن أصحابه شغبوا عليه ووصل الفتكين إلى بغداد محصورا من جميع جهاته وذلك أن بختيار أرسل إلى ضبة بن محمد الأسدي وهو من أهل عين التمر وهو الذي هجاه المتنبي فأمره بالإغارة على أطراف بغداد وبقطع الميرة عنها وكتب بمثل ذلك إلى بني شيبان وكان أبو تغلب من ناحية الموصل يمنع الميرة وينفذ سراياه فغلا السعر ببغداد وسار العيارون والمفسدون فنهبوا الناس ببغداد وكبس الفتكين المنازل في طلب الطعام، وسار عضد الدولة نحو بغداد، فلقيه الفتكين والأتراك بين ديالى والمدائن فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم الأتراك فقتل منهم خلق كثير ووصلوا إلى ديالى فعبروا على جسور كانوا عملوها فغرق أكثرهم من الزحمة وسار الأتراك إلى تكريت وسار عضد الدولة فنزل بظاهر بغداد ثم دخلها ونزل بدار المملكة وكان قد طمع في العراق واستضعف بختيار وإنما خاف أباه ركن الدولة فوضع جند بختيار على الشغب به والمطالبة بأموالهم وكان بختيار لا يملك قليلا ولا كثيرا، وأشار عضد الدولة على بختيار بترك الالتفات إليهم وان لا يعدهم بما لا يقدر عليه وان يعرفهم انه لا يريد الامارة والرياسة عليهم ووعده انه إذا فعل ذلك توسط الحال بينهم على ما يريده فظن بختيار انه ناصح له ففعل ذلك وأغلق بابه وصرف كتابه وحجابه فراسله عضد الدولة ظاهرا بمحضر مقدمي الجند يشير عليه بمقاربتهم وتطيب قلوبهم وكان أوصاه سرا ان لا يقبل فعمل بما أوصاه وقال لست أميرا لهم ولا بيني وبينهم معاملة وقد برئت منهم فترددت الرسل بينهم ثلاثة أيام وعضد الدولة يغريهم به والشغب يزيد، وأرسل بختيار إليه يطلب انجاز ما وعده به ففرق الجند على عدة جميلة واستدعى بختيار واخوته فقبض عليهم في 26 جمادى الآخرة سنة 364 وجمع الناس وأعلمهم استعفاء بختيار من الامارة عجزا عنها ووعدهم الاحسان فسكنوا إلى قوله، وكان المرزبان بن بختيار بالبصرة متوليا لها، فلما بلغه قبض والده امتنع على عضد الدولة وكتب إلى ركن الدولة عم أبيه يشكو ما جرى على والده وعميه من عضد الدولة ومن أبي الفتح بن العميد ويذكر له الحيلة التي تمت عليه، فلما سمع ركن الدولة ذلك ألقى نفسه عن سريره إلى الأرض وامتنع عن الأكل والشرب ومرض مرضا لم يستقل منه مدة حياته وكان محمد بن بقية بعد بختيار قد خدم عضد الدولة وضمن منه واسطا وأعمالها، فلما وصلها خلع طاعة عضد الدولة ووافقه على ذلك عمران بن شاهين فجهز عضد الدولة جيشا على ابن بقية فكسرهم ابن بقية وكتب ركن الدولة إلى ابن بقية والمرزبان وغيرهما ممن احتمى لبختيار يأمرهم بالثبات والصبر ويعرفهم انه على المسير إلى العراق لاخراج عضد الدولة وإعادة بختيار، فاضطربت النواحي على عضد الدولة، فعزم على انفاذ أبي الفتح بن العميد برسالة إلى أبيه يعرفه ما جرى له وما فرق من الأموال وضعف بختيار عن حفظ البلاد وانه ان أعيد خرجت المملكة من أيديهم ويسأله ترك نصرة بختيار، وقال لأبي الفتح فان أجاب والا فقل له أنا أضمن منك أعمال العراق في كل سنة بثلاثين ألف ألف درهم وأبعث بختيار وأخويه إليك فان اختاروا أقاموا عندك وان اختاروا بعض بلاد فارس سلمته إليهم، وان أحببت ان تحضر إلى العراق وتنفذ بختيار إلى الري وأعود أنا إلى فارس فالأمر إليك، فان أجاب والا فقل له أيها السيد الوالد! أنت مقبول الحكم والقول، ولكن لا سبيل إلى اطلاق هؤلاء بعد مكاشفتهم واظهار العداوة وسيقاتلونني جهدهم فتنشر الكلمة فان قبلت ما ذكرته فانا العبد الطائع وان أبيت فسأقتل بختيار وأخويه وأخرج عن العراق فخاف ابن العميد ان يسير بهذه الرسالة وأشار ان يسير بها غيره ويسير هو بعده فيكون كالمشير على ركن الدولة فأرسل بها غيره وتبعه ابن العميد فلما ذكر الرسول بعض الرسالة وثب اليه ركن الدولة ليقتله فهرب ثم رده بعد ما سكن غضبه وقال قل لفلان بعني عضد الدولة خرجت إلى نصرة ابن أخي أو للطمع في مملكته أ ما علمت اني نصرت فلانا و فلانا وسماها واعدتهما إلى ملكهما ولم آخذ منهما درهما واحدا طلبا لحسن الذكر وأنت تمن علي بدرهمين أنفقتهما علي وعلى أولاد أخي ثم تطمع في ممالكهم وتهددني بقتلهم ثم جاء ابن العميد فحجبه وتهدده عضد الدولة.
وكان ركن الدولة يقول اني أرى كل ليلة أخي معز الدولة في المنام يعض على أنامله ويقول يا أخي هكذا ضمنت لي ان تخلفني في ولدي وكان ركن الدولة يحب أخاه محبة شديدة لأنه رباه. وتوسط الناس لابن العميد عند ركن الدولة فاذن له بالحضور عنده فرده إلى عضد الدولة وعرفه جلية الحال فأجاب إلى المسير إلى فارس وأخرج بختيار من محبسه وخلع عليه وشرط عليه أن يكون نائبا عنه بالعراق ويخطب له ويجعل أخاه أبا إسحاق أمير الجيش لضعف بختيار وسار إلى فارس في شوال سنة 364 واستقر بختيار ببغداد ولم يف لعضد الدولة بالعهود وأنفذ إلى ابن بقية من حلفه له وحضر عنده وأكد الوحشة بين بختيار وعضد الدولة وثارت الفتنة بعد مسير عضد الدولة واستمال ابن بقية الأجناد وجبى كثيرا من الأموال إلى خزانته وكان إذا طالبه بختيار بالمال وضع الجند على مطالبته فثقل على بختيار فاستشار في مكروه يوقعه به فبلغ ذلك ابن بقية فعاتب بختيار عليه فأنكره وحلف له فاحترز ابن بقية منه، ثم توفي ركن الدولة سنة 366. وفيها تجهز عضد الدولة يطلب العراق لما كان يبلغه عن بختيار وابن بقية من استمالة أصحاب الأطراف واتفاقهم على معاداته ولما كانا يقولانه من الشتم القبيح له وانحدر بختيار إلى واسط على عزم محاربة عضد الدولة وكان حسنويه الكردي وأبو تغلب بن حمدان وعداه النصرة فلم يفيا له ثم سار بختيار إلى الأهواز وسار عضد الدولة من فارس نحوهم فالتقوا في ذي القعدة واقتتلوا فخامر على بختيار بعض عسكره وانتقلوا إلى عضد الدولة فانهزم بختيار وأخذ ماله ومال ابن بقية ونهبت الأثقال ولما وصل بختيار إلى واسط حمل اليه ابن شاهين صاحب البطيحة مالا وسلاحا وغير ذلك من الهدايا النفيسة ودخل بختيار إليه فأكرمه وحمل اليه مالا جليلا واعلاقا نفيسة وعجب الناس من قول عمران أن بختيار سيدخل منزلي مستجيرا بي كما مر في هذه الترجمة فكان كما قال ثم أصعد بختيار إلى واسط وسير عضد الدولة جيشا إلى البصرة فملكها وأقام بختيار بواسط وأحضر ما كان له ببغداد والبصرة من مال وغيره ففرقه في أصحابه ثم قبض على ابن بقية لأنه اطرحه واستبد بالأمر دونه وجبي الأموال إلى نفسه ولم يوصل إلى بختيار منها شيئا وأراد أيضا التقرب إلى عضد الدولة بقبضه لأنه هو الذي كان يفسد الأحوال بينهم وأرسل عضد الدولة في الصلح ثم أتاه ابنا حسنويه في نحو ألف فارس معونة له فاظهر المقام بواسط ومحاربة عضد الدولة ثم بدا له في المسير فسار إلى بغداد فعاد عنه ابنا حسنويه إلى أبيهما وأقام بختيار ببغداد وكان له