كنت مع بركيارق في المصاف وذلك في 17 صفر سنة 488 عند قرية يقال لها داشلو على 12 فرسخا من الري إلى آخر ما ذكرناه ثم قال أنوشروان وكنت قد فجعت بمصرع مؤيد الملك وزير السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي وأثر في قلبي مؤلم ملمه حتى حصلت بالبصرة فأقمت بها مدة ثلاث سنين وصادفت اخوانا صادقين في جملتهم الشيخ الإمام أبو محمد القاسم بن علي الحريري صاحب المقامات يوافقني في الجد والهزل وفي هذه المدة التي أقمت فيها بالبصرة درج بركيارق في ربيع الآخر سنة 498 فتفرد بالسلطنة اخوه محمد قال أنوشروان فجاءني يوما توقيع سلطاني على يد أمير من بعض الخواص فاستدعاني واستدناني فوصلت إلى بغداد والسلطان محمد بها إلى أن قال وسرت في الخدمة لما ساروا إلى أصفهان. ثم قال أنوشروان وأنا ولاني السلطان الخزانة فإنه استدعاني إلى خلوته وخصني بكرامته وسلم إلي خزائن ممالكه وكان هؤلاء الأكابر انما يصلون إلى السلطان في الباركاه إذا جلس لعامته وأنا اختص بخلواته وأستسعد بمحادثته فعظمت وجاهتي بمواجهته وحسدني أكابر الدولة على منزلتي وانتظروا زلتي ومزلتي، واتفق ان الأمير السيد أبا هاشم الحسني رئيس همذان قد تغير عليه رأي السلطان لوشاية فقرروا عليه سبعمائة ألف دينار، قال أنوشروان فأمرني السلطان بالمسير إلى همذان لاستيداء هذا المال. وعاد السيد أبو هاشم وهو شيخ كبير فمحضت له النصح ووعدته بالسعي في اصلاح حاله ونقد سبعمائة ألف دينار عتيق في سبعة أيام من موجود خزانته ولم يستعن بأحد وحثنا على المسير فحين أوصلت المال إلى خزانة أصفهان ولقيت السلطان شافهته بحقيقة أمره وعرفته اختلاق أهل الأغراض الباطل في حقه فامر السلطان بإعادته إلى رئاسته وسير اليه الخلع السنية والتشريفات اللائقة بشرفه، ولما حصل ذلك المبلغ في الخزانة سلمها إلي وعول في دخلها وخرجها علي فتوليت الخزانة. ثم قال وكنت متوليا لعرض الجيش فنقل هذا المنصب مني إلى شمس الملك بن نظام الملك بعد ان أخذ منه ألفي دينار خدمة أوصلها إلى الخزانة. ثم قال ولما كثر تعجبي من السلطان يتأنق في تخير كلاب الصيد، فسال عن فروعها وأصولها فما باله لا يتخير لديوانه ومراتب سلطانه ذوي الكفاءة ومن عرقه كريم ومجده قديم لقد كان هؤلاء أولى بالاختيار فإنهم امناء مملكته. ثم قال قال الصادق ع كل شئ يحتاج إلى العقل الا الدولة فيمكن ان يكون أراد به الإمام جعفر الصادق أو النبي ص قال في الكتاب المذكور.
ذكر جلوس شرف الدين أنوشروان بن خالد في نيابة الوزارة قال أنوشروان فراسلني السلطان بخادم من خواصه وشكا من الوزير خطير الدين محمد بن الحسين الميبذي وقال هذا الوزير قد أيست من فلاحه وقد عرفت يا أنوشروان طريقتك وانا أوثر ان تنوب من قبلي في الوزارة فقبلت الأرض وقدمت عذرا لائقا بالحال فلما أنكره سارعت إلى الامتثال وجلست في النيابة عن الوزير على الكره منه فأجلسني في الديوان مكرما وعلى الصدور مقدما لكن الوزير اعتقد اني للسلطان عليه عين فهو يستثقلني وكانت صحبته لي على مضض وصدور الديوان عن يمينه ويساره مؤثرون لايثاره يبدون لي بشرا ويضمرون لي شرا واتفقت كلمتهم مع اختلاف طبايعهم على مضادتي فما اشتريت بشعيرتين سبالهم ولا شغلت بالي بما شغلوا به بالهم. ولما عجزوا عن ايقاعي في مصائد المكايد شرعوا في تعويق الرسوم والفوائد وتوقفوا في توجيه واجباتي من الديوان وتوافقوا على قطع ما اطلق لي من صلات السلطان فكنت أتسلى بقول القائل ان لله غير مرعاك مرعى * نرتعيه وغير مائك ماءا ان لله بالبرية لطفا * سبق الأمهات والآباءا ولم أخل من قصد الجماعة وكانت تأتي منهم قوارص الأذية ثم قال إن السلطان تغير رأيه في وزيره الخطير فعزله وسجنه وجمع امراء دولته وفاوضهم في وزير يفوض اليه وزارته قال أنوشروان فاجمعوا على أن أكون المتكلم عنهم وكان رأيي مائلا إلى مثل ما حكي عن المعتضد أنه كان قد حرض على عبيد الله بن سليمان وسعي عنده عليه وكان يقول إذا فكرت فيما ينقض من التدبير ويضيع من الأمور بين صرف وزير وتقليد وزير وان كان المتقلد اكفى اضربت عن نكبته فاتفقوا على أن أكون الناظر في الأمور وبقيت الرعية مرعية والسيرة رضية مرضية والدهماء ساكنة والغبراء آمنة قال أنوشروان وكان قد بقي من أيام عمر السلطان أربعون أو خمسون يوما وقد استحصد زرعه وانتسخ شرعه واتفق موت الكفاة وتناثروا تناثر ورق الخريف وتفرقوا تفرق سحاب المصيف ثم مات السلطان أواخر سنة 511 وجلس مكانه ابنه محمود. قال أنوشروان وتقدم الوزراء للتهنئة وأنا أيضا أقمت رسم التهنئة واستوزر كمال الملك ثم قتل سنة 515 فاستوزر شمس الملك وانشد فيه أنوشروان متمثلا لئيم اتاه اللؤم من عند نفسه * ولم يأته من عند أم ولا أب المستشفى السيار في الاسلام قال أنوشروان وتولى أحمد بن حامد منصب الاستيفاء وزارة المالية ومن جملة مبتدعاته في الخير أنه جعل للمعسكر السلطاني بيمارستان يحمل آلاته وخيامه وأدويته والأطباء والغلمان والمرضى ما تتا بختي.
دار الأيتام في الاسلام ومن جملتها انه بنى بمحلة العتابين ببغداد مكتبا للأيتام ووقف عليه وقوفا والأيتام مكفولون منها إلى أن يبلغوا الحلم بالنفقة والكسوة والطعام وتعلم الآداب وحفظ القرآن ومعرفة الحلال والحرام.
قال وتولى أبو القاسم الأنساباذي ديوان العرض وكان أنوشروان عارضا وهو غائب وفي مقامه عنه نائب. قال أنوشروان كنت انا قد تخلفت في بغداد في ذلك الأوان لشغل فاجتمع هؤلاء القوم واغتنموا غيبتي وأخذوا بأخذي وتعويقي توقيعا وشنعوا على عملي وعملوا شنيعا وكان مضمون المثال السلطاني ان أنوشروان ان كان في حدود بغداد الزم بيته بباب المراتب ومنع الناس من لقائه وان كان قد وصل إلى بلاد الجبل فيقعد في ولاية الأمير برسق بقلعة كفراش ويشترط عليه ان لا يطلب المنصب والمعاش ويحضر مماليكه إلى الدركاة لينتقلوا إلى الخواص من الأمراء ويحمل ثقلهم عنه مع الانزواء وكتب الوزير بخط كاتبه ان شغل العرض قد فوض إلى الدركزيني فتختم جميع دفاتر العرض وأوراقها وتنفذ حتى تسلم اليه. قال أنوشروان وانهضوا إلى طريقي جماعة من الفرسان لولا اعظام الأمر السلطاني المطاع لما رعيت حرمة أولئك الرعاع ولعادوا وحكموا انهم لقوا مني رجلا ولركبوا من الخوف الليل جملا فامتثلت الأمر وسلمت إليهم موجودي وخرجت من مالي كالشعرة من العجين ووقع الهجان بتوقيع الهجين وسلمت نفسي إلى الحبس ثم إن السلطان قتل الوزير شمس الملك في آخر ربيع الأول سنة 517 بباب