فقال لها رسول الله ص فاسال إلهي ان يحرسك من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم، ناوليني المخضب واملئيه ماء، قال: فنهضت أسماء بنت عميس فملأت المخضب ماء ثم اتته به فملأ فاه ثم مجه فيه ثم قال: اللهم انهما مني وأنا منهما اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني تطهيرا فاذهب عنهما الرجس وطهرهما تطهيرا ثم دعا فاطمة ع فقامت اليه وعليها النقبة وازارها فضرب كفا من ماء بين ثدييها وأخرى بين عاتقها وبأخرى على هامتها ثم نضح جلدها وجسدها ثم التزمها ثم قال: اللهم انهما مني وأنا منهما اللهم فكما أذهبت عني الرجس وطهرتني تطهيرا فطهرهما ثم امرها ان تشرب بقية الماء وتتمضمض وتستنشق وتتوضأ ثم دعا بمخضب آخر فصنع به كما صنع بالآخر ودعا عليا ع فصنع به كما صنع بصاحبته ودعا له كما دعا لها ثم أغلق عليهما الباب وانطلق. فزعم عبد الله بن عباس عن أسماء بنت عميس انه لم يزل يدعو لهما خاصة حتى وارته حجرته ما شرك معهما في دعائه أحدا قال محمد بن يوسف قلت هكذا رواه ابن بطة العكبري الحافظ وهو حسن عال. وذكر أسماء في هذا الحديث ونسبتها إلى بنت عميس غير صحيح، وأسماء بنت عميس هي الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب وهي التي تزوجها أبو بكر فولدت له محمد بن أبي بكر وذلك بذي الحليفة مخرج رسول الله ص في حجة الوداع، فلما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب فولدت له. وما أرى نسبتها في هذا الحديث الا غلطا وقع من بعض الرواة أو من بعض الوراقين لان أسماء التي حضرت في عرس فاطمة ع انما هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بأرض الحبشة هاجر بها الهجرة الثانية إلى ارض الحبشة وولدت لجعفر بن أبي طالب أولاده كلهم بأرض الحبشة وبقي جعفر وزوجته أسماء بأرض الحبشة حتى هاجر النبي ص إلى المدينة وكانت وقعة بدر وأحد والخندق وغيرها من المغازي إلى أن فتح الله عز وجل على رسول الله ص قرى خيبر في سنة سبع وقدم المدينة وقد فتح الله عز وجل على يديه وقدم يومئذ جعفر بامرأته وأهله فقال النبي ص ما أدري بأيهما أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر. وكان زواج فاطمة من علي ع بعد وقعة بدر بأيام يسيرة، فصح بهذا ان أسماء المذكورة في هذا الحديث انما هي أسماء بنت يزيد، ولها أحاديث عن النبي ص روى عنها شهر بن حوشب وغيره من الناس، حقق ذلك مؤلف هذا الكتاب محمد بن يوسف بن محمد الكنجي من كتب الحفاظ من نقلة الاخبار انتهى.
أقول: اشتباه أسماء بنت عميس بأسماء بنت يزيد ممكن بان يكون الراوي ذكر أسماء فتبادر إلى الأذهان بنت عميس لأنها اعرف لكن ينافي ذلك ما مر من أنها حضرت وفاة خديجة وأسماء بنت يزيد أنصارية من أهل المدينة لم تكن بمكة حتى تحضر وفاة خديجة مع أنه ورد ذكر جعفر في خبر زفاف فاطمة ع في غير موضع في سيرة الزهراء ع فإذا كان وقع الاشتباه في أسماء فكيف وقع في جعفر على أنه من الممكن الاشتباه في ذكر جعفر أيضا كما وقع في ذكر أسماء فظن الراوي وجوده من وجود زوجته أسماء. واحتمل في كشف الغمة أن تكون التي شهدت الزفاف سلمى بنت عميس زوجة حمزة وان بعض الرواة اشتبه بأسماء لشهرتها وتبعه الباقون وسلمى يمكن شهودها وفاة خديجة والله أعلم.
ومما يدل على اختصاص، أسماء باهل البيت ع وشدة حبها لهم وللزهراء ع انها كانت موضع سرها ومحل حوائجها ولما مرضت أرسلت خلفها وشكت إليها ان المرأة إذا وضعت على سريرها تكون بارزة للناظرين لا يسترها الا ثوب فذكرت لها أسماء النعش المغطى الذي رأته بأرض الحبشة فاستحسنته الزهراء ع حتى ضحكت بعد ان لم تكن ضحكت بعد أبيها غير تلك المرة ودعت لها. وحضرت وفاتها وأعانت عليا ع على غسلها ولم تدع أحدا يدخل عليها من أمهات المؤمنين ولا غيرهن سواها.
فقد ذكر جماعة ان فاطمة الزهراء ع لما مرضت دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس وعليا ع. وفي رواية ان أسماء بنت عميس قالت للزهراء ع اني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئا فان أعجبك اصنعه لك فدعت بسرير فاكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشدتها على قوائمه وجعلت عليه نعشا ثم جللته ثوبا فقالت فاطمة ع اصنعي لي مثله استريني سترك الله من النار. وفي الاستيعاب بسنده ان فاطمة بنت رسول الله ص قالت لأسماء بنت عميس اني قد استقبحت ما يصنع بالنساء انه يطرح على المرأة الثوب فيصفها. فقالت أسماء يا بنت رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة:
ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل.
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن الحسين عن ابن عباس قال: مرضت فاطمة مرضا شديدا فقالت يا أسماء بنت عميس ألا ترين إلى ما بلغت احمل على السرير ظاهرا فقالت أسماء لا لعمري ولكن اصنع لك نعشا كما رأيت يصنع بأرض الحبشة قالت فأرينيه فأرسلت أسماء إلى جرائد رطبة وجعلت على السرير نعشا وهو أول ما كان النعش قالت أسماء:
فتبسمت فاطمة وما رأيتها متبسمة بعد أبيها الا يومئذ الحديث. وروى ابن عبد البر في الاستيعاب: ان فاطمة ع قالت لأسماء بنت عميس إذا انا مت فاغسليني أنت وعلي ولا تدخلي علي أحدا. ومثله روى أبو نعيم في الحلية ثم قال: فلما توفيت غسلها علي وأسماء. وفي روضة الواعظين: ان فاطمة ع لما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجهت خلف علي فأحضرته إلى أن قال: فغسلها علي ع في قميصها واعانته على غسلها أسماء بنت عميس قال ابن عبد البر في الاستيعاب: غسلها علي بن أبي طالب مع أسماء بنت عميس. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أسماء بنت عميس قالت: غسلت انا وعلي فاطمة بنت رسول الله ص انتهى وكان علي هو الذي يباشر غسلها وأسماء تعينه على ذلك وبهذا يرتفع استبعاد بعضهم ان تغسلها أسماء مع علي وهي أجنبية عنه لأنها كانت يومئذ زوجة أبي بكر. وفي بعض الأخبار انه امر الحسن والحسين ع يدخلان الماء ولم يحضرها غيره وغير الحسنين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس. قال ابن عبد البر في الاستيعاب: فلما توفيت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء لا تدخلي فشكت إلى أبي بكر فقالت: ان هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله ص وقد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء فوقف على الباب فقال يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي ص ان يدخلن على بنت رسول الله ص وجعلت لها مثل هودج العروس. فقالت: امرتني ان لا يدخل عليها أحد واريتها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني ان اصنع ذلك لها. قال أبو بكر: فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف انتهى وفي بعض الروايات ان أسماء كانت عندها حين وفاتها وانها أمرتها ان تأتي ببقية حنوط أبيها رسول الله ص وتضعه عند رأسها.