أحدا عن التواضع له، ولا ينقص أهل الفقر عن أهل الغنى إلا أن يكون الغني عالما والفقير جاهلا، ومنها: أن لا يكون مبتدئا بالأذى ولا مكافيا به، وإن انتصر لم يجاوز في الانتصار حد العدل والحق، ومنها: ان يكون الهوى عنده في جنب العقل لغوا، ومنها: أن لا يفرح بمدح المادح بما يعلم أنه خلو منه، ومنها: ان لا يحقد على من عابه بما يعرفه من نفسه، ومنها أن لا يقدم على أمر يخاف أن يعقبه ندامة. سئل ما الذي يجب على الملوك للرعية وما الذي يجب للملوك على الرعية؟ قال: للرعية على الملوك أن ينصفوهم وينتصفوا لهم ويؤمنوا سربهم ويحرسوا ثغورهم وعلى الرعية للملوك النصيحة والشكر سئل ما السرور وما اللذة؟ قال السرور ما كان معه رجاء الآخرة وما سوى ذلك من السرور لهو وزوال وهو إلى الاضمحلال سئل ما الذي يرد اشتعال الغضب؟ قال ذكر غضب الرب عز وجل عند عصيان المربوب وتعاطيه الفواحش وحلمه عنه قيل ما اربع خلال قلتم ليس ينبغي ان يرتاب بهن قال: طاعة الله تعالى، وإيثار الآخرة على الدنيا، وطاعة الملك فيما يوافق الحق، وان لا يشك في ثواب المحسن، ويفوض امر المسئ إلى خالقه. قيل سمعناكم تقولون: هلاك الملوك في الدنيا والآخرة في خصلة لا ترتفع معها حسنة، فيجب ان نعرف هذه الخصلة حق معرفتها قال: استصغار أهل العلم والفضل قيل سمعناكم تقولون: من كره العار فليجتنب خمس خصال فما هي؟ قال:
الحرص والشح واحتقار الناس واتباع الهوى والمطل بالعدة قيل أي العيش أنعم وأرغد؟ قال: عيش في رخاء وكفاف بلا فقر ولا غنى سئل كيف للمرء أن يعيش آمنا؟ قال: يصبح مطيعا لله ويمسي مجتهدا في طاعته راغبا في عبادته وكان يقول، البخل أحسن من المطل لأن الياس يقطع الأمل والطمع، والمطل يكدر العطاء وإن جلت منفعته سئل ما الذي يحتاج اليه صاحب الدنيا؟ قال: السعة من غير تبعة، والسرور من غير مأثم، والدعة من غير توان ولا تضييع وقال موت الأبرار راحة لهم، وموت الأشرار راحة للعالم قيل أي الأشياء أحق أن لا ينسى؟
قال: أما عند أهل العقل فاقترافهم الذنوب، وأما عند أهل الجهل فالأوتار قيل ما الذي يجمع للملوك الحمد وما الذي يجمع لهم الحزم وما الذي يجمع لهم الذم؟ قال: أما الأمور المحمودة ففي خصلة واحدة وهي: إذا هموا بخير أمضوه، وأما الحزم ففي خصلة واحدة وهي: الاستظهار في الأمور، وأما الأمور المذمومة ففي خصلة واحدة وهي: إذا غضبوا أقدموا قيل أي مناقب المرء أزين له؟ قال: الحلم عند الغضب، والعفو عند القدرة، والجود لغير طلب الثواب، والاجتهاد للدار الباقية لا الفانية قيل أي الأشياء أحق بالاتقاء قال: السلطان الغشوم، والعدو القوي، والصديق المخادع. قيل أي العيوب أعسر اصلاحا؟ قال: العجب واللجاجة. قيل اي الأشياء أقل، قال الواد الناصح.
لما استتم أنوشروان كتاب المسائل قال في آخره: قد كنت للعقل في الحداثة مؤثرا وللعلم محبا وعن كل تعليم مفتشا، فرأيت العقل أكبر الأشياء واجلها والخيم الصالح خير الأمور، والحلم أزين الخصال والمواساة أفضل الأعمال، والاقتصاد أحسن الأفعال، والتواضع احمد الخصال.
كان بهمن الملك سال خلطاءه ان يخبروه عن أعز الأشياء وارفعها لخساسة الخسيس، فاجمعوا أنه الصلاح والعلم وأنهما يزيدان في شرف الشريف، ويقعدان العبيد مقعد الملوك! فقال الملك: هذا رأس أمور الدين والدنيا إذا كان بمساعدة العقل، فان البناء بأسه، لأن الأساس الفهم، وقوامه الرأي الأصيل، ولا رأي الا بمعرفة العلم، ولا أساس للعلم الا بالعقل وقال بعضهم: من استصغر كبير ما يولى من المعروف وستره، واستكثر قليل الشكر من المصطنع اليه فقد استوجب الثناء وأحسن مجاورة النعم وقال أحسن الكلمة الجامعة للمكارم من لم تبطره النعمة إذا أصابته ولم يحسد عليها إذا أخطأته وقال الملك من أخذ بمجامع المروة، واحتوى على الشرف، فليترك الانتصار وهو قادر، وأبلغ من ذلك. احتمال الكلمة الموجعة عن أهل القلة، والحلم عن أهل الذلة، والعفو عند القدرة وكان من سيرة قدماء الفرس أن يكتبوا في نواحي مجالسهم أربعة أسطر، أولها: عندنا الشدة من غير عنف، واللين في غير ضعف، والثاني: المحسن يجازي باحسانه والمسئ يكافئ بإساءته، والثالث: العطيات والأرزاق في حينها وأوقاتها، والرابع: لا حجاب عن صاحب ثغر وطارق ليل.
وفي عهد ملك الفرس لابنه: لا تحقرن ذنبا، ولا تطلبن اثرا، ولا تمالئن عدوا ولا حسودا، ولا تصدقن نماما، ولا تغنين لئيما فيبطر، ولا تسلطن دنيا، ولا تفرطن في طلب الاجر، ولا تعينن غاويا، ولا تركنن إلى شبهة، ولا تردن سائلا، ولا ترضين للناس الا ما ترضاه لنفسك واعلم أن للأعمال جزاء وللأمور بغتات فكن على حذر، ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا، ولا تعدن وعدا ليس في يدك وفاؤه.
ولما جلس جمشيد على سرير ملكه ووقف وفود الملوك حوله وأرادوا ان يمتحنوا عقله وسيرته فقام الوزراء والعظماء فقالوا: أيها الملك عشت الدهر وملكت الأقاليم إن رأيت أن تمثل لنا مثالا نعمل عليه ونقتصر في انفاذ الأمور عليه فقال لكاتب رسائله ان كتابك لساني والمخبر عن غائب امر فاختصر الطريق إلى الفطنة، وأحط بحدود الأمور وابدأ بالأولى فالأولى. وقال لصاحب خراجه: إنك عدل فيما بيني وبين رعيتي فاجر الأمور على مواردها، ولا تقصر عن اتقانها، ولا تكل إلى غيرك ما يحيط به نظرك ويبلغه علمك. وقال لصاحب جيشه انك الحصن من العدو، والمؤتمن على عدة الملك، فاستدع المناصحة بالرغبة، والطاعة بالرهبة، واحترس بالتيقظ وعاجل مواضع الفرص. وقال لصاحب حرسه انك جنتي التي أجتن فيها، وعيني التي انظر بها، فلا تدع التحفظ، ولا تكن أبدا الا على أهبة، ولا تستبطن مريبا، وقال لصاحب شرطته: انك ظلي في رعيتي، والقائم بسوط أدبي، فألبسهم الأمن بالبراءة وأشعرهم المخافة بالريبة، ولا تخف في ايثار الحق لومة لائم. وقال لحاجبه: انك عدل على مراتب خاصتي والحافظ لمكاناتهم مني، فانظر إليهم بعيني، واجعلهم على قدر منازلهم عندي، وضعهم في كل حالاتهم في التلوم والابطاء عن بأبي، ثم ازرع في قلوب الجميع محبتي. ثم قال لخازنه إنك أمين على ما به حياة الرعية، وبصلاحه صلاح الملك والأجناد، فاحفظ الوارد واستبطء الغائب وعجل الجاري اللازم وأمر في غير اللازم، وقال لصاحب الخاتم: ان التدبير انما يصدر عنك، والأمر انما ينفذ بك فاقتصر بحدود كتبي على مواقع أمري، ولا تنفذ منها شيئا الا عن علمي. وقال لصاحب ديوان النفقات: انك والي خاصة كل ما يعنيني، والقائم بما يعود نفعه وضره علي فاحتط على احكام ما تدعو اليه الحاجة في النفقة، واحذف نوازع ما تتوق