ثم وقف يعتذر ويقول إن هذا كما يجئ لا كما يجب فقلت قبل الله عذرك لكني أراك بين قواف مكروهة وقافات خشنة كل قاف كجبل فخذ الآن جزاء عن قرضك وأداء لفرضك وقلت:
مهلا أبا بكر فزندك أضيق * وأخرس فان أخاك حي يرزق دعني أعرك إذا سكت سلامة * فالقول ينجد في ذويك ويعرق ولفاتك فتكأت سوء فيكم * فدع الستور وراءها لا تخرق وانظر لأشنع ما أقول وأدعي * وله إلى اعراضكم متسلق يا أحمقا وكفاح ذلك خزية * جربت نار معرتي هل تحرق فقال يا أحمقا لا يجوز فان أحمق لا ينصرف فقلت اما أحمق فلا يزال يصفعك لتصفعه حتى ينصرف وتنصرف معه وللشاعر ان يرد ما لا ينصرف إلى الصرف وان شئت قلت يا كودنا فقال الشريف خذا على منوال المتنبي:
أهل بدار سباك أغبدها * أبعد ما بان عنك خردها فقلت:
يا نعمة لا تزال تجحدها * ومنة لا تزال تكندها فقال: ما معنى تكندها فقلت كند النعمة كفرها فقال معاذ الله ان يكون كند بمعنى جحد وانما الكنود القليل الخير فتلا عليه الجماعة ان الإنسان لربه لكنود فنبذ الأدب وراء ظهره وصار إلى السخف فقلت يا هذا ان الأدب غير سوء الأدب وسكت حتى عرف الناس اني أملك من نفسي ما لا يملكه ثم قلت يا أبا بكر ان الحاضرين قد عجبوا من حلمي اضعاف ما عجبوا من علمي وتعجبوا من عقلي أكثر مما تعجبوا من فضلي فقال انا قد كسبت بهذا العقل دية أهل همذان مع قلته فما الذي أفدت أنت بعقلك مع غزارته فقلت: هذا الذي تتمدح به من انك شحذت فأخذت عندنا صفة ذم يا عافاك الله ولأن يقال للرجل يا فاعل يا صانع أحب إليه من أن يقال يا شحاذ ويا مكدي وقد صدقت أنت في هذه الحلبة أسبق وفي هذه الحرفة اعرق وانا قريب العهد بهذه الصنعة فاما مالك فعندنا يهودي يماثلك في مذهبه ويزيدك بذهبه ومع ذلك لا يطرفني الا بعين الرهبة ولا يمد إلي الا يد الرغبة وملت إلى القوال فقلت اسمعنا خبرا فدفع القوال وغنى أبياتا منها:
وشبهنا بنفسج عارضيه * بقايا اللطم في الخد الرقيق فقال أبو بكر أحسن ما في الأمر اني احفظ هذه القصيدة وهو لا يعرفها فقلت: يا عافاك أعرفها وان أنشدتكها ساءك مسموعها فقال أنشد فقلت أنشد ولكن روايتي تخالف هذه الرواية وانشدت:
وشبهنا بنفسج عارضيه * بقايا الوشم في الوجه الصفيق فاتته السكتة وأضجرته النكتة (2) وأطرق مليا وقال والله لأضربنك وان ضربت ولتعلمن نباه بعد حين فقلت لكنا نصفعك الآن وتضربنا فيما بعد فقد قيل اليوم خمر وغدا أمر وانشدت قول ابن الرومي:
إن كان شيخا سفيها * يفوق كل سفيه فقد أصاب شبيها * له وفوق الشبيه ثم تمثلت بقول القائل:
وأنزلني طول النوى دار غربة * إذا شئت لافيت امرأ لا أشاكله أحامقه حتى يقال سجية * ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله ودفع القوال فبدأ بأبيات ولحن بأصوات وجعل النعاس يثني الرؤوس ويمنع الجلوس قال صاحب الوشاح فنام القوم على عادتهم في ضيافات نيسابور وفي الرسائل فاوى إلى أم مثواه وأويت إلى الحجرة وظني ان هذا الفاضل يأكل يده ندما ويبكي على ما جرى دمعا ودما فإنه إذا سمع بحديث همذان قال الهاء هم والميم موت والذال ذل والألف آفة والنون قدامة قال صاحب الوشاح وأصبحوا فتفرقوا وبعض القوم يحكم بغلبة البديع وبعضهم يحكم بغلبة الخوارزمي وفي الرسائل وسعوا بيننا بالصلح وعرفنا له فضل السن فقصدناه معتذرين إليه فاوما ايماءة مهيضة بكف سحبها على الهواء سحبا وبسطها في الجو بسطا وعلمنا ان للمقمور ان يستخف ويستهين وللقامر ان يحتمل ويلين فقلنا إن بعد الكدر صفوا كما أن عقب المطر صحوا وعرض علينا الإقامة عنده سحابة ذلك اليوم فأعتللنا بالصوم فلم يقبل فطعمنا عنده، وهنا اختلفت رواية البديع ورواية صاحب وشاح الدمية المنقولة في معجم الأدباء فصاحب الوشاح يقول كان بعض الرؤساء مستوحشا من الخوارزمي وهيا مجمعا في دار السيد أبي القاسم الوزير ويظهر منه ان هذا الرئيس بتهيئته ذلك المجمع هو الذي قصد إثارة الشر بينهما ثانيا والبديع يقول في رسائله ان أبا بكر بعث إليه رسولين يذكران ان أبا بكر يقول تواتر الخبر بأنك قهرت واني قهرت ولا أشك ان ذلك التواتر مصدره منك ولا بد ان نجتمع في مجلس بعض الرؤساء فنتناظر وان لم تفعل لمن آمن عليك بعض تلامذتي أو تقر بعجزك عن امدي فعجبت وأجبته فقلت اما قولك قد تواتر الخبر بأنك قهرت وان ذلك من جهتي فبالله ما أتمدح بقهرك وان لنفسك عندك لشانا ان ظننتني اقف هذا الموقف انا إن شاء الله أبعد مرتقى همة ومصعد نفس فاما التواتر من الناس فلو قدرت على الناس لخطت أفواههم رزقنا الله عقلا به نعيش. ونعوذ بالله من رأي بنا يطيش وان رسالتك هذه وردت موردا لم نحتسبه فلذلك خرج الجواب عن البصل ثوما وعن البخل لوما. ثم مضت أيام فاتفقت الآراء على أن يعقد هذا المجلس في دار الشيخ أبي القاسم الوزير قال صاحب الوشاح وكان أبو القاسم فاضلا ملء اهابه وحضر الإمام أبو الطيب سهل الصعلوكي وهو بنفسه أمة ثم حضر السيد أبو الحسين وهو ابن الرسالة والإمامة وجعل يضرب عن هذا الفاضل بسيفين لأمر كان قدموه عليه وفطنت لذلك فقلت أيها السيد انا إذا سار غيري في التشيع برجلين طرت بجناحين وإذا مت سواي في موالاة أهل البيت بلمحة دالة توسلت بغرة لائحة فان كنت أبلغت غير الواجب فلا يحملنك على ترك الواجب ثم إن لي في آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قصائد قد نظمت حاشيتي البر والبحر وركبت الأفواه ووردت المياه وسارت في البلاد ولم تسر بزاد وطارت في الآفاق ولم تسر على ساق ولكني أتسوق بها لديكم ولا أتنفق بها عليكم وللآخرة قلتها لا للحاضر وللدين ادخرتها لا للدنيا فقال أنشدني بعضها فقلت:
يا لمة ضرب الزمان * على معرسها خيامه ل له درك من خزامى * روضة عادت ثغامه