بغداد يستزيره فسار إليه وان عضد الدولة كتب إليه من شيراز إلى أرجان يستزيره فسار إليه، ولكن الذي يظهر من الصبح المنبي ان المتنبي قصد من بغداد إلى عضد الدولة ببلاد فارس، قال كان أبو الفضل محمد بن الحسين بن العميد يسمع باخبار أبي الطيب وترفعه عن مدح الوزراء، فسمع انه خرج من مدينة السلام متوجها إلى بلاد فارس وكان يخاف ان لا يمدحه ويعامله معاملة المهلبي فيتكره من ذكره ويعرض عن سماع شعره، قال الربعي قال لي بعض أصحاب ابن العميد دخلت عليه يوما قبل ورود المتنبي، فوجدته واجما وكانت قد ماتت أخته عن قريب، فظننته واجما لأجلها، فقلت لا يحزن الله الوزير فما الخبر، قال إنه ليغظني أمر هذا المتنبي واجتهادي في أن اخمد ذكره، وقد ورد علي نيف وستون كتابا في التعزية ما منها الا وقد صدر بقوله:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر * فزعت فيه بامالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقة املا * شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي فكيف السبيل إلى اخماد ذكره، فقلت القدر لا يغالب والرجل ذو حظ من إشاعة الذكر واشتهار الاسم، فالأولى ان لا تشغل نفسك بهذا الأمر اه. وفي صفر سنة 354 ورد أبو الطيب على أبي الفضل بن العميد وهو بأرجان وهي على ستين فرسخا من شيراز فيكون مقامه بالعراق نحو ثلاث سنين وعشرة أشهر منها في الكوفة نحو ثلاث سنين وثمانية أشهر وفي بغداد نحو شهرين، لأنه ورد الكوفة في ربيع الثاني سنة 351 كما مر وكان فيها في ذي الحجة سنة 353 لان كتاب سيف الدولة جاءه إليها بهذا التاريخ وورد بغداد سنة 354، وفي تلك السنة في صفر خرج منها إلى أرجان فحسن موقعه من ابن العميد ومدحه بقصيدة أولها:
باد هواك صبرت أم لم تصبرا * وباك ان لم يجر دمعك أو جرى كم غر صبرك وابتسامك صاحبا * لما رآه وفي الحشا ما لا يرى يقول فيها:
أرجان (1) أيتها الجياد فإنه * عزمي الذي يذر الوشيج مكسرا أمي أبا الفضل المبر أليتي * لا يممن أجل بحر جوهرا صغت السوار لأي كف بشرت * بابن العميد وأي عبد كبرا بأبي وأمي ناطق في لفظه * ثمن تباع به القلوب وتشترى من لا تريه الحرب خلقا مقبلا * فيها ولا خلق يراه مدبرا يا من إذا ورد البلاد كتابه * قبل الجيوش ثنى الجيوش تحيرا قطف الرجال القول وقت نباته * وقطفت أنت القول لما نورا وإذا سكت فان أبلغ خاطب * قلم لك اتخذ الأنامل منبرا ورسائل قطع العداة سحاءها * فرأوا قنا واسنة وسنورا فدعاك حسدك الرئيس وأمسكوا * ودعاك خالقك الرئيس الأكبرا يقول فيها وهو يريد سيف الدولة:
من مبلغ الاعراب اني بعدها * جالست رسطاليس والإسكندرا ومللت نحر عشارها فأضافني * من ينحر البدر النضار لمن قرى وسمعت بطليموس دارس كتبه * متكلما متبديا متحضرا ولقيت كل الفاضلين كأنما * رد الاله نفوسهم والأعصرا يا ليت باكية شجاني دمعها * نظرت إليك كما نظرت فتعذرا وترى الفضيلة لا ترد فضيلة * الشمس تشرق والسحاب كنهورا قال أبو عبد الله كان ابن العميد كثير الانتقاد على أبي الطيب فإنه لما أنشده قوله في هذه القصيدة: كم غر صبرك وابتسامك صاحبا الخ قال يا أبا الطيب تقول باد هواك ثم تقول بعده كم غر صبرك ما أسرع ما نقضت ما ابتدأت به، فقال تلك حال وهذه حال. وتنازع ندماء ابن العميد في البيت الأخير، فقال أثبتوه حتى أتأمله فأثبت البيت ووضع بين يديه مليا يفكر فيه، ثم قال هذا يعطلنا عن المهم وما كان الرجل يدري ما يقول.
وتفسيره وترى هذه الباكية الفضيلة لا تمنع من فضيلة أخرى فترى الشمس مشرقة والسحاب متراكما. وقال أبو الطيب يذكر انتقاد ابن العميد لهذه القصيدة من قصيدة يهنؤه فيها بالنيروز:
جاء نيروزنا وأنت مراده * وورت بالذي أراد زناده عند من لا يقاس كسرى أبو * ساسان ملكا به ولا أولاده عربي لسانه فلسفي * رأيه فارسية أعياده هل لعذري عند الهمام أبي الفضل * قبول سواد عيني مداده ما كفاني تقصير ما قلت فيه * عن علاه حتى ثناه انتقاده ما تعودت ان ارى كابي الفضل * وهذا الذي اتاه اعتياده غمرتني فوائد شاء فيها * ان يكون الكلام مما أفاده ونسخة القصيدتان وأنفذتا من أرجان إلى أبي الفتح بن أبي الفضل بن العميد بالري فعاد الجواب يذكر شوقه إلى أبي الطيب وسروره به وأنفذ أبياتا نظمها طعن فيها على المعترضين لقول الشعر فقال أبو الطيب والكتاب بيده أبياتا ارتجلها أولها:
بكتب الأنام كتاب ورد * فدت يد كاتبه كل يد يعبر عما له عندنا * ويذكر من شوقه ما نجد مسير المتنبي من أرجان إلى عضد الدولة بشيراز وورد عليه كتاب عضد الدولة يستزيره إلى شيراز فقال عند مسيره مودعا ابن العميد بقصيدة أولها:
نسيت وما انسى عتابا على الصد * ولا خفرا زادت به حمرة الخد وسار قاصدا أبا شجاع عضد الدولة فناخسرو بن بويه بشيراز فلما ورد عليه قال يمدحه من قصيدته:
أوه بديل من قولتي واها * لمن نأت وللبديل ذكراها كل جريح ترجى سلامته * الا فؤادا رمته عيناها تبل خدي كلما ابتسمت * من مطر برقه ثناياها في بلد تضرب الحجال به * على حسان ولسن اشباها كل مهاة كان مقتلها * تقول إياكم وإياها فيهن من تقطر السيوف دما * إذا لسان المحب سماها يقول فيها:
وقد رأيت الملوك قاطبة * وسرت حتى رأيت مولاها قال ابن جني لما سمع سيف الدولة هذا البيت قال ترى هل نحن في الجملة:
أبا شجاع بفارس عضد الدولة * فناخسرو شهنشاها