هذه السلسلة من ناحية اليمن وجاء جده الشيخ خضر إلى الهند وصار له بها اعتبار عاش 120 سنة وقرأ في أحمدآباد كجرات على نحارير العلماء وأخذ من كل فن بسند عال وعرف المذهب المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي والامامي أصولا وفروعا ووصل إلى درجة الاجتهاد وهو وإن كان منتسبا إلى المذهب الحنفي لكنه في الحقيقة كان نابذا للتقليد ومتجاوزا علم الظاهر إلى الحقائق المعنوية وسالكا مسلك التصوف والاشراق وعارفا بأساليب التصوف خصوصا مسلك الشيخ محيي الدين بن العربي وابن الفارض والشيخ صدر الدين القونوي ومن جلائل النعم الإلهية عليه اختصاصه بملازمة الخطيب أبو الفضل الكازروني فاتخذه بمنزلة الولد فقرأ عليه التجريد وكثيرا من غوامض الشفاء والإشارات ودقائق التذكرة والمجسطي وتلمذ على مولانا جلال الدين الدواني وأخذ في جزيرة العرب أنواع العلوم النقلية عن الشيخ السخاوي المصري تلميذ ابن حجر العسقلاني وسافر في أوائل المئة العاشرة مع جماعة من خواصه إلى الهند لأجل رؤية الأولياء هناك فجاء إلى ناكور والتقى بالسيد يحيى البخاري الذي له نصيب وافر من الولاية المعنوية وبالشيخ عبد الرزاق القادري البغدادي من أولاد الشيخ عبد القادر الجيلي المشهور وبالشيخ يوسف السندي وسافر إلى السند وأخذ عن الشيخ فياض البخاري وتوفي سنة 954 أقول يظهر من ذلك أنه كان صوفيا وتشيعه غير معلوم وإن كان مظنونا قالوا وابنه الشيخ مبارك ابن الشيخ خضر كانت له رياسة عامة ومرجعية تامة في الهند وتأتي ترجمته في بابه وابنه الشيخ أبو الفيض ابن الشيخ مبارك كان مشهورا بحسن النظم والنثر وتأتي ترجمته وابنه الشيخ أبو الفضل صاحب الترجمة ابن الشيخ مبارك كان مقدما على جميع رجال المملكة في عهد سلطان الوقت محمد أكبر شاة حتى على أولاد السلطان وهو مصنف تاريخ أكبر شاهي المشهور في تمام العالم بفصاحة عبارته واستحكام كلامه وهو شاهد على تبحر مؤلفه وتضلعه وتعمقه واتساع بلاغته وبراعته وأصحاب المعاجم والمصنفون في التاريخ والرجال ينقلون غالبا ترجمة الشيخ أبو الفضل وأحواله من ذلك الكتاب لأنه في ذيل تاريخ آئين أكبري شرح أحوال أسلافه وأخبار سلسلة آبائه وأجداده شرحا مفصلا بحيث لم يترك جزئية ولا كلية وذكر أساتيذه وآثاره وعلومه ومعارفه وذكر والده أيضا ومن إمعان النظر الدقيق وأعمال الفكر العميق في تقريره بضميمة الاطلاعات الخارجية يعلم أن الشيخ مبارك والشيخ أبو الفضل كان كل منهما باطنا شيعي المذهب امامي المشرب ومن هذه الجهة كان علماء ورؤساء المخالفين لهما في المذهب يعادونهما عداوة قبيحة والشيخ أبو الفضل في وقت رياسته العظمى سعى في تفريق كلمة هؤلاء الجماعة والسلطان أكبر شاة قصر أيدي المتعصبين عن الخلق ونحن تأسيا بمؤلفي السلف ننقل أحوال الشيخ أبو الفضل وكبراء سلسلته من كتابه المسمى آئين أكبري إلى المكان الذي كتبه فيه باختصار رائق وتصرف لائق وباقي أحواله إلى خاتمة أمره وعاقبة عمره ننقله من مكان آخر ثم ذكر فيما نقلوه عن أحوال والده بما ذكرنا جملة منه في ترجمة والده الشيخ مبارك وذكر أحوال أقاربه وأطال في بيان أحوال والده وأقاربه كثيرا وقال عن نفسه أنه ولد سنة 957 وما بلغ الخامسة عشرة من عمره حتى كان أبوه قد فتح له أبواب خزائن العلم ثم ذكر أحواله مطولا. ثم قال أصحاب دانشوران ناصري بعد نقله بطوله.
هذه ترجمة أبو الفضل التي ذكرها هو بنص عبارته في كتاب آئين أكبري وأما شرح تشريع وإيجاد الدين الإلهي الذي ظهر في عصر جلال الدين محمد أكبر بتدبير وسعي الشيخ أبو الفضل المذكور على ما ذكره النواب السيد غلام حسين الطباطبائي رضوان الله عليه في مقدمة كتابه سير المتأخرين فقال: ان الشيخ عبد الله ابن الشيخ شمس الدين السلطانبوري الذي كان يلقب في عهد شير شاة بصدر الاسلام وفي زمان همايون بشيخ الاسلام وفي وقت أكبر بمخدوم الملك كان طالبا للجاه غاية الطلب متعصبا محبا للدنيا كما ذكره الشيخ عبد القادر البدادوني في كتابه مع اتحاد المذهب فيهما والمناسبة التامة في العمل والطبيعة. ولما مات مخدوم الملك وكان بينه وبين السلطان منافرة ظهرت له خزائن ودفائن كثيرة منها عدة صناديق فيها قطع من الذهب بشكل اللبن كان قد دفنها في المقبرة فأخرجت وأدخلت مع كتبه إلى الخزانة العامرة السلطانية. والشيخ عبد النبي الصدر كذلك كان رجلا متعصبا طالبا للجاه وهو من أولاد أبي حنيفة الكوفي وفي أوائل عهد أكبر وصل اقتداره إلى حد أنه كان أحد وزراء الملك يقدم له نعله والأفاغنة يحبونه كثيرا وأكبر كان صغير السن جدا وجاءته السلطنة في الطفولية وكانت عامة الدعاوى وأكثر أمور السلطنة تدبر برأي هذين الرجلين والسلطان مشغول باللهو واللعب والطرب وكان هذان الرجلان بمقتضى حب الجاه والنفس وشدة التعصب كلما رأوا رجلا هو محل التفات السلطان والسلطان يميل إلى مشربه ومسلكه يتوسلان إلى قتله بكل حيلة باسم حماية الشرع وحراسة الاسلام ولا يدعان أحدا يرفع رأسه كما أن الشيخ أبو الفضل وأبوه الشيخ مبارك وأخوه الشيخ فيضي وقعوا في بلية هذين الرجلين وبالتأييد الإلهي نجوا من هذا البلاء ووصلوا إلى أوج العزة والاختصاص ووصل الحال إلى أن خلقا كثيرا يفوتون حد الحصر قتلوا بغير حق بسعي أولئك الفساق. والذي يستفاد من مجموع الحكايات وتقريرات نقلة أخبار ذلك العصر ان كلا هذين القدوتين كانا في الظاهر في نهاية التعصب والتصلب للدين لكن لمجرد حب الجاه والنفس واتباع الهوى ولم تصل إلى مشام روحهم رائحة الايمان لا هم ولا أتباعهم كالشيخ عبد القادر البدادوني وغيره ومن شدة تعصبهم أصدر أحدهم مخدوم الملك على ما ذكره الشيخ عبد القادر البدادوني فتوى عجيبة وهي أن الذهاب إلى الحج في أيام الحج غير واجب حيث أنه سال فأخبر أن طريق الحج منحصر إما في طريق العراق أو طريق البحر وطريق العراق يسمع فيه كلام غير ملائم من القزلباشية وطريق البحر يلزم ان يؤخذ فيه جواز من الإفرنج وهذا الجواز قد صوروا فيه صورة مريم وعيسى ع وانه اله فإذا السفر على كلا الطريقين ممنوع والبدادوني عند ترجمة أحوال نفسه يقول إن الشيخ مبارك وإن كان له على حق عظيم من جهة انه أستاذي لكن حيث إنه وأولاده مغالون في الانحراف عن المذهب الحنفي لم تبق له علي حجة وأيضا لأجل تأييد مدعاه نقل عن مخدوم الملك أنه كان كلما رأى الشيخ أبا الفضل في أوائل عهد أكبر شاة يذمه ويذم أباه الشيخ مبارك ويقدح فيهما قالوا وبسبب هذين الشخصين المرائيين المحبين للدنيا أريقت دماء كثيرين من عباد الله لا سيما على التشيع ووصل التعصب في العوام إلى حد انه في أوائل سنة 33 في سلطنة أكبر كان رجل من أرباب المناصب اسمه فولاد يرلاس وكان رجل يسمى الملا أحمد شيعي المذهب فللعداوة المذهبية استدعاه ليلا من منزله وضربه بخنجر وكان أكبر شاة في تلك الأيام قد خرج من قيد العصبية فامر أن يربط برلاس في بلدة لاهور حتى هلك وتوفي الملا أحمد المجروح بعد وفاة قاتله بثلاثة أيام وبعد دفن الملا أحمد أقام الشيخ فيضي وأخوه الشيخ أبو الفضل حراسا على قبره خوفا من أن ينبش ومع هذا الاهتمام فان أهل لاهور بعد سفر عسكر أكبر شاة إلى كشمير نبشوا قبره وأخرجوا جثته