الفتن فلما فرع عاود حمدان وإبراهيم الحديث معه وبذل له حمدان مالا جزيلا وصغر عنده أمر أخيه أبي تغلب ثم إن إبراهيم هرب من عند بختيار وعاد إلى أخيه أبي تغلب فقوي عزم بختيار على قصد الموصل فقصدها ثم اصطلح مع أبي تغلب بعد حوادث كثيرة ورجع عنها ثم إن بختيار وقعت معه حوادث كثيرة وفتن فكتب إلى أبي تغلب يطلب مساعدته فاجابه إلى ذلك وانفذ أخاه أبا عبد الله الحسين بن ناصر الدولة إلى تكريت في عسكر وهذا يدل على أن الحسين كان قد رجع إلى أخيه أبي تغلب ثم إن بختيار ضعف امره وخرج عن بغداد وعزم على قصد الشام ومعه حمدان بن ناصر الدولة وهذا يدل على رجوع حمدان من عند أخيه أبي تغلب إلى بختيار فلما صار بختيار بعكبرا حسن له حمدان قصد الموصل فلما صار إلى تكريت ارسل إليه أبو تغلب ان يقبض على أخيه حمدان ويسلمه إليه فيكون معه على عضد الدولة فقبض على حمدان وسلمه إلى نواب أخيه فحبسه وسارا إلى حرب عضد الدولة فهزمهما وقبض على بختيار وقتله وملك الموصل وهرب أبو تغلب إلى الشام فقتل بالرملة في خبر طويل وصار أبو طاهر إبراهيم وأبو عبد الله الحسين ابنا ناصر الدولة في خدمة شرف الدولة بن عضد الدولة بعد وفاة أبيه عضد الدولة ببغداد فلما توفي شرف الدولة وملك بهاء الدولة استأذناه في الاصعاد إلى الموصل فاذن لهما فاصعدا ثم علم القواد الغلط في ذلك فكتب بهاء الدولة إلى خواشاذه وهو يتولى الموصل يأمره بدفعهما عنها فأرسل إليهما خواشاذه يأمرهما بالعود عنه فأعادا جوابا جميلا وجدا في السير حتى نزلا بالدير الأعلى بظاهر الموصل وثار أهل الموصل بالديلم والأتراك فنهبوهم وخرجوا إلى بني حمدان وخرج الديلم إلى قتالهم فهزمهم المواصلة وبنو حمدان وقتل منهم خلق كثير واعتصم الباقون بدار الامارة وعزم أهل الموصل على قتلهم والاستراحة منهم فمنعهم بنو حمدان عن ذلك وسيروا خواشاذه ومن معه إلى بغداد وأقاموا بالموصل وكثر العرب عندهم فلما ملك أبو طاهر إبراهيم وأبو عبيد الله الحسين ابنا ناصر الدولة الموصل طمع فيها باذا الكردي صاحب ديار بكر فجمع الأكراد فأكثر، وممن أطاعه الأكراد البشنوية أصحاب قلعة فنك وكانوا كثيرا وكاتب أهل الموصل فاستمالهم فاجابه بعضهم فسار إليهم ونزل بالجانب الشرقي فضعفا عنه وراسلا أبا الذواد محمد بن المسيب أمير بني عقيل واستنصراه فطلب منهما جزيرة ابن عمر ونصيبين وبلدا وغير ذلك فاجابه إلى ما طلب واتفقوا وسار إليه الحسين وأقام إبراهيم بالموصل يحارب باذا فلما اجتمع الحسين وأبو الذواد سارا إلى بلد وعبرا دجلة وصارا مع باذا على أرض واحدة وهو لا يعلم فاتاه الخبر وقد قارباه فأراد الانتقال إلى الجبل لئلا يأتيه هؤلاء من خلفه وإبراهيم من أمامه فاختلط أصحابه وأدركه الحمدانية فناوشهم القتال وأراد باذا الانتقال من فرس لآخر فسقط واندقت ترقوته فاتاه ابن أخته أبو علي بن مروان وأراده على الركوب فلم يقدر فتركوه وانصرفوا واحتموا بالجبل ووقع باذا بين القتلى فعرفه بعض العرب فقتله وحمل رأسه إلى بني حمدان وأخذ جائزة سنية وسار أبو علي بن مروان ابن أخت باذا في طائفة من الجيش إلى حصن كيفا وهو على دجلة وبه امرأة باذا وأهله فقال لزوجة خاله قد أنفذني خالي إليك في مهم فلما صعد اخبرها بهلاكه وملك ما كان لخاله حصنا حصنا وذلك ابتداء دولة بني مروان وسار إلى ميافارقين وسار إليه أبو طاهر إبراهيم وأبو عبد الله الحسين ابنا ناصر الدولة فوجداه قد احكم امره فتصافوا واقتتلوا وظفر أبو علي وأسر أبا عبد الله الحسين بن حمدان فأكرمه وأحسن إليه ثم اطلقه فسار إلى أخيه أبي طاهر إبراهيم وهو بامد يحصرها فأشار عليه بمصالحة ابن مروان فلم يفعل واضطر الحسين إلى موافقته وسارا إلى ابن مروان فواقعاه فهزمهما وأسر أبا عبد الله ثانيا فأساء إليه وضيق عليه إلى أن كاتبه صاحب مصر فاطلقه ومضى إلى مصر وتقلد منها ولاية حلب وأقام بتلك الديار إلى أن توفي واما أبو طاهر إبراهيم فإنه لما وصل إلى نصيبين قصده أبو الذواد فاسره وعليا ابنه والمزعفر أمير بني تميم وقتلهم صبرا وملك الموصل.
وقد وجدنا في ديوان الشريف الرضي انه قتل سنة 382 وقد رثاه الشريف الرضي بقصيدتين موجودتين في ديوانه دالية ورائية من أجود المراثي لا سيما الرائية وكان صديقا له وقد استفدنا من صداقة الشريف له ورثائه إياه بأكثر من قصيدة ووصفه له فيهما بجميل الأوصاف علو مكانه وجلالة شانه والقصيدة الرائية لفصاحة ألفاظها وكثرة معانيها فسرها أبو الفتح عثمان ابن جني النحوي في حياة الرضي ومدحه الرضي لتفسيره إياها بقصيدة في ديوانه فمن الدالية قوله:
تفوز بنا المنون وتستبد * ويأخذنا الزمان ولا يرد وأنظر ماضيا في عقب ماض * لقد أيقنت أن الأمر جد رويدا بالفرار من المنايا * فليس يفوتها الساري المجد فأين ملوكنا الماضون قدما * أعدوا للنوائب واستعدوا وكل فتى تحب بجانبيه * خواطر بالقناقب قب وجرد فما دفع المنايا عنه وفر * ولا هزم النوائب عنه جند أعارهم الزمان نعيم عيش * فيا سرعان ما نزعوا وردوا هم فرط لنا في كل يوم * نمدهم وان لم يستمدوا فلا الغادي يروح فترتجيه * ولا المتروح العجلان يغدو وللانسان من هذي الليالي * وهوب لا يدوم ومسترد تجد لنا ملابسها فيبقى * جديداها ويبلى المستجد أ إبراهيم أما دمع عيني * عليك فما يعد ولا يحد يفضض بالأوائل منه طرف * ويدمي بالأواخر منه خد بكيتك للوداد ورب باك * عليك من الأقارب لا يود وأن بكاء من تبكيه قربى * لدون بكاء من يبكيه ود إذا غضنا الدموع أبت علينا * مناقب منك ليس لهن ند فمنهن اشتطاطك في المساعي * وفضل العزم والباع الأشد فأين مسابق الآجال طعنا * يعود ورمحه ريان ورد وأن الآسر الفكاك يسري * إليه من العدى ذم وحمد فاعناق أحاط بهن من * وأعناق أحاط بهن قد أيا سهما رمى غرضا فأخطى * وذي الاقدار أسهمها أسد ولو غير الردى جاثاك اقعى * به من باسك الخصم الألد فيا أسد يصول عليه ذئب * ويا مولى يطول عليه عبد وهل بقيت قبائله فيبقى * ربيعة أو نزار أو معد من القوم الأولى طلبوا ونالوا * وجد بهم إلى العلياء جد تصدع مجد أولهم فشدوا * جوانبه بأنفسهم وسدوا إذا عد الأماجد جاء منهم * عديد كالرمال فلم يعدوا سقاه أحم نجدي التوالي * يعم بودقه غور ونجد إذا مخضت حوا فله جنوب * مري لقحاته برق ورعد ولا عرى ثراه من الغوادي * ومن نوارها سبط وجعد إذا ما الركب مر عليه قالوا * أيا حالي الصعيد سقاك عهد