فرسخا من الكوفة مقابل عيسى بن موسى فبعث إليه سلم بن قتيبة ان خندق على نفسك حتى لا تؤتى إلا من وجه واحد فإن لم تفعل فتخفف في طائفة حتى تأتي المنصور فتأخذ بقفاه فليس عنده عسكر فعرض ذلك إبراهيم على أصحابه فقالوا نخندق على أنفسنا ونحن ظاهرون وفي رواية أنهم قالوا تجعل بينك وبين الله جنة قال فنأتي أبا جعفر قالوا ولم هو في أيدينا فقال للرسول أ تسمع فانصرف راشدا وهكذا يفسد التدبير بترك صواب الرأي فصف إبراهيم أصحابه صفا واحدا فأشار عليه بعضهم أن يجعلهم كراديس فإذا انهزم كردوس ثبت كردوس والصف إذا انهزم بعضه تداعى سائره فقال الباقون لا نصف إلا صف أهل الاسلام يعني قوله تعالى ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص وأشار عليه بعضهم أن يبيت عيسى فقالت الزيدية إنما البيات من فعال السراق فاقتتل الناس قتالا شديدا وانهزم حميد بن قحطبة وانهزم الناس معه فعرض لهم عيسى يناشدهم الله والطاعة فلا يلوون عليه وأقبل حميد منهزما فقال له عيسى الله الله والطاعة فقال لا طاعة في الهزيمة فلم يبق مع عيسى إلا نفر يسير فقيل له لو تنحيت عن مكانك حتى يرجع الناس إليك فقال لا أتحول حتى اقتل أو يفتح الله على يدي وجاء جعفر ومحمد ابنا سليمان بن علي من وراء أصحاب إبراهيم فرأى الذين يتبعون المنهزمين القتال من ورائهم فعادوا ورجع أصحاب المنصور يتبعونهم فكانت الهزيمة على أصحاب إبراهيم وكان من تقدير الله أن أصحاب المنصور لقيهم نهر في طريقهم لم يقدروا أن يجوزوه فعادوا بأجمعهم وثبت إبراهيم في نحو ستمائة أو أربعمائة وجعل حميد يرسل برؤوس المقتولين إلى عيسى وجاء إبراهيم سهم عائر لا يدري من رماه فوقع في حلقه فتنحى وقال لأصحابه انزلوني فانزلوه وهو يقول وكان أمر الله قدرا مقدورا واجتمعوا عليه يحمونه فقال حميد لأصحابه شدوا عليهم حتى تزيلوهم وتعلموا ما اجتمعوا عليه فشدوا فقاتلوهم أشد قتال حتى أفرجوهم ووصلوا إلى إبراهيم فحزوا رأسه وأتوا به عيسى فأراه ابن أبي الكرام الجعفري فقال نعم هذا رأسه فسجد وبعث به إلى المنصور وكان قتله يوم الخميس وعن كامل ابن الأثير يوم الاثنين لخمس بقين من ذي القعدة سنة 145 وعمره ثمان وأربعون سنة وقيل كان سبب انهزامهم أنهم لما هزموا أصحاب المنصور وتبعوهم نادى مناديه أن لا تتبعوا مدبرا فرجعوا فظنهم أصحاب المنصور منهزمين فتبعوهم فكانت الهزيمة ولما بلغ المنصور هزيمة أصحابه عزم على اتيان الري فقال له ابن نوبخت المنجم الظفر لك وسيقتل إبراهيم فلم يقبل فجاءه الخبر بقتله واقطع ابن نوبخت ألفي جريب بنهر حويزه وروى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين أن عيسى وأصحابه انهزموا هزيمة قبيحة حتى دخل أوائلهم الكوفة وأمر أبو جعفر باعداد الإبل والدواب على جميع أبواب الكوفة ليهرب عليها وأنه جعل يقول ويلك يا ربيع فكيف ولم ينلها أبناؤنا فأين امارة الصبيان يشير إلى ما سمعه عن الإمام جعفر بن محمد الصادق في ذلك.
وفي مروج الذهب: كان قد تفرق أخوة محمد بن الحسن بن الحسن وولده في البلدان يدعون إلى إمامته إلى أن قال ومضى إبراهيم اخوه إلى البصرة وظهر بها فاجابه أهل فارس والأهواز وغيرهما من الأمصار في عساكر كثيرة من الزيدية وجماعة ممن يذهب إلى قول البغداديين من المعتزلة وغيرهم ومعه عيسى بن زيد بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع فسير إليه المنصور عيسى بن موسى وسعيد بن مسلم في العساكر فحارب حتى قتل في الموضع المعروف بباخمرى وذلك على ستة عشر فرسخا من الكوفة من أرض الطف وهو الموضع الذي ذكرته الشعراء ممن رثى إبراهيم. وقتل معه عن الزيدية من شيعته أربعمائة رجل وقيل خمسمائة وروى بعض الأخباريين عن حماد التركي قال كان المنصور نازلا في دير على شاطئ دجلة في الموضع الذي يسمى اليوم الجلد من مدينة السلام إذ اتى الربيع في وقت الهاجرة والمنصور في البيت الذي هو فيه وحماد قاعد على الباب فقال يا حماد افتح الباب فقلت الساعة هجع أمير المؤمنين فقال افتح ثكلتك أمك فسمع المنصور كلامه فنهض يفتح الباب بيده وتناول منه الخريطة فقرأ ما فيها من الكتب وتلا هذه الآية وألقينا بينهم العداوة والبغضاء كلما أوقدوا نارا للحرب اطفاها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ثم أمر باحضار الناس والقواد والموالي وأهل بيته وأصحابه وامر حمادا التركي باسراج الخيل وامر ابن مجالد بالتقدم ثم خرج فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال:
ما لي أكفكف عن سعد ويشتمني * وإن شتمت بني سعد لقد سكنوا جهلا علينا وجبنا عن عدوهم * لبئست الخصلتان الجهل والجبن أما والله لقد عجزوا عن أمر قمنا له فما شكروا ولا حمدوا الكافي ولقد مهدوا فاستوعروا وغبطوا فغمطوا فما ذا تحاول مني اسقى رنقا على كدر كلا والله لأن أموت معززا أحب إلي من أن أحيا مستذلا ولئن لم يرض العفو مني ليطلبن ما لا يوجد عندي والسعيد من وعظ بغيره.
ثم نزل وقال يا غلام قدم فركب من فوره إلى معسكره ثم قال اللهم لا تكلنا إلى خلقك فنضيع ولا إلى أنفسنا فنعجز.
وذكر ان المنصور هيئت له عجة من مخ وسكر فاستطابها فقال أراد إبراهيم ان يحرمني هذا وأشباهه.
قال المؤلف وهكذا كانت همة هؤلاء من الخلافة في نيل الدنيا ولذاتها. وقد مضت عنهم ووقعوا في تبعاتها.
وذكر ان المنصور قال يوما لجلسائه بعد قتل محمد وإبراهيم تالله تالله ما رأيت رجلا أنصح من الحجاج لبني مروان فقام المسيب بن زهرة الضبي.
فقال يا أمير المؤمنين ما سبقنا الحجاج بأمر تخلفنا عنه والله ما خلق الله على جديد الأرض خلقا أعز علينا من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وقد امرتنا بقتل أولاده فأطعناك وفعلنا ذلك فهل نصحناك أم لا قال له المنصور اجلس لا جلست.
قال المؤلف وقد انقضى عن المنصور وأعوانه ما كانوا فيه من حطام الدنيا ولقوا جزاء أعمالهم من حاكم عادل.
وذكر المسعودي قبل ذلك ان المنصور لما ظهر محمد بن عبد الله بالمدينة دعا أبا مسلم العقيلي وكان شيخا ذا رأي وتجربة فقال أشر علي في خارجي خرج علي فقال صفه لي فوصفه فقال صف لي البلد الذي قام به فوصفه ففكر ساعة ثم قال اشحن يا أمير المؤمنين البصرة بالرجال فقال المنصور في نفسه قد خرف الرجل أسأله عن خارجي خرج بالمدينة فيقول اشحن البصرة بالرجال ثم لم يكن الا يسير حتى ورد الخبر ان إبراهيم ظهر بالبصرة فاستدعى المنصور العقيلي فقال إنك أشرت علي ان اشحن البصرة أ وكان عندك من البصرة علم قال لا ولكنك ذكرت لي رجلا إذا خرج لم يتخلف عنه أحد ثم ذكرت لي البلد فإذا هو ضيق لا يحتمل الجيوش فقلت انه