الصفات المشرقة في جميع الأقطار والجهات إشراق النيرات لا برحت محروسة من الآفات بعين جبار السماوات ثم إن عطفت عواطف الاشفاق بالفحص عن الداعي المشتاق الذي هو رهين دار الغرية وقطين العراق فإنه من لطف الله تعالى وبركات الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين في أكمل عافية وسرور وأفضل نعمة وحبور غير أنه لم يزل في جميع هذه المدة الماضية المستمدة يفوق النظر في بيداء التفكر لاقتناص بعض أخباركم ويرسل غواص الفكر في دأماء التدبر لاستخراج درر آثاركم حتى إذا ورد بعض اخواننا المشتغلين من العامليين واخبرونا من أول العام بما خولتموه لنا من الإنعام من مكاتبة منكم لنا ولمشايخنا الكرام وان ذلك قد دفعوه لبعض الأقوام في الشام لكي يرسله لنا في أقرب الأيام فهنالك قلت قد فاز القناص وحاز الغواص ولم أدر أن قاطع الزمان قد قطع بترس الحوادث على سهم قصدي الطريق وتمساح الأوان قد ابتلع غواص إرادتي فإذا هو في دمشق غريق وبقي ما أنعمتم به من كتب وغيرها معطلا عند السيد محمد دروان من ذلك الوقت حتى الآن فسنح لنا ان نوضح من الحال ما لعله كان خفيا وان نبسط في بيانه لسان المقال بعد ان سكتنا مليا وان نهز جذع شفقتكم ليساقط علينا رطبا جنيا ونستقي ودق رأفتكم لكي يهمي على ربوعنا وسميا فرسمنا فقرات الدعاء ورقمنا كلمات الثناء آملين من ذلك الجناب الكريم توجيه الحادث القديم وان تجعلوا ذلك جاريا مجرى القانون المستديم وان تواصلونا باخبار حضرتكم دائما ابدا ولا تهملوا أمرنا سدى وان تمدونا بمزيد لطفكم وكفانا به مددا وان تمرونا على حواشي الضمير الفاخر المستنير كما انا لا ننساكم من صالح الدعوات في أوقات الخلوات لدى مضاجع موالينا الأئمة الهداة ولا زلتم مؤيدين على الدوام ومحروسين مع كافة الأهل والبنين من حوادث الليالي والأيام ما خطبت على منابر الطروس خطباء الأقلام بالحمد والثناء والدعاء والسلام.
مدح السلطان عبد المجيد وأمير اللواء وشيخ الاسلام ووالي بغداد.
وقال في مديح السلطان عبد المجيد خان ومدح أمير اللواء الحاج محمد علي باشا صهر السلطان محمود والد عبد المجيد ومدح شيخ الاسلام عارف أفندي ووالي بغداد محمد رشيد باشا، وذكر لذلك مقدمة طويلة افتتحها بقوله: الحمد لله الذي قرن بطاعته طاعة ولاة الامر من العباد واجرى مقادير حكمته بتخليد سلطنة سلاطين آل عثمان إلى انتهاء الآباد. ثم اخذ في مدح آل عثمان عموما والسلطان عبد المجيد خصوصا بما يشتمل على المبالغات والعبارات المألوفة في عصر آل عثمان من أنهم خلفاء الله في بريته لإعلاء كلمة الايمان والتوحيد وان عبد المجيد مالك رقاب الأمم ومالك أزمة الملوك وحافظ الشريعة الغراء وأمثال ذلك، ثم قال: وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني إبراهيم بن صادق بن إبراهيم بن يحيى المخزومي الشامي العاملي: اني منذ عقلت رواحل الترحال في رحاب سيدنا المرتضى أبي تراب وأنخت ركاب الآمال في حي اعتاب حضرة مولانا علي قالع الباب وفاضت علي من أشعة بركاته أنوار المعارف والآداب، لم أجد حرفة يعرف بالنجاح صاحبها وتجارة يوصف بالأرباح طالبها أحسن من الملازمة على أداء وظائف الدعاء للدولة الأبدية الغراء والمداومة على تنظيم درر مدايحها رجاء منايحها في سلك الحمد والثناء ومن ثم صيرت نشر صحائف الأدعية لها ديدني وشعاري وسيرت في مدايحها ما هو كالدراري يهدي به الساري من درر أشعاري:
وكم لي بسلطان الورى من مدايح * يضاهي شذاها الروض وهو مفوف قواف كدر البحر أتحفته بها * وما زالت الأملاك بالدر تتحف ثم ذكر انه كثيرا ما شفع مدايحه بمدح من ينتمي لدولته من الوزراء وولاة الزوراء مستشفعا بهم لديه فإنهم أبواب خزانة مرحمته وقد أمر الله تعالى أن تدخل البيوت من الأبواب ثم ذكر ان من محاسن مديحه هذه القصيدة التي كان المنشأ في انشائها انه لما قدم ارض الغري وتشرف بزورة المرقد الحيدري الأسد الهمام والأمجد المقدام صاحب المواقف المشهورة والغزوات المذكورة والمكارم الموفورة حضرة أمير لواء العساكر المنصورة الأمجد الأفخم الحاج محمد علي باشا المحترم رفع الله تعالى اعلام قدره وأنار في مراتب الوزارة طوالع مجده وفخره وقد اجتمعت به في ذلك المقام عدة ليال وأيام وكرعت من عذب مسامرته ما هو ألذ عند الندامى من أكؤس المدام. وكان من جملة ما املاه علي ما شاهده في سفره هذا من غرائب الأشياء وذلك أنه حين فصل عن دار الخلافة العلية ممتطيا غوارب ظهور المراكب الدخانية مشحنة بفئات العساكر الجهادية لم يزل يسير على اسم الله تعالى فمرة يقحمها سد ذي القرنين واخرى ينجو بها مغرب النيرين وهي آنة تسفح على ما طغى من الموج الزخار فينطح أعلاها جباه النجوم وآونة تسبح في خلال الغمار فيمسح أقصاها تخوم التخوم وهو مع ذلك لم يبرح انى شاء مسراها ويحسن باسم بارئ الأشياء مجراها بحيث لم يدع جانبا من المحيط إلا وأزجاها إليه ولا ساحلا بعيد المرحل إلا وعرس عليه ولا خلقا في أقاصي البلاد الأيم من طريق اليم ساحتهم وحرضهم على طاعة السلطان عبد المجيد وحذرهم من سطوات ساعده القوي وبأسه الشديد. وكان من أعجب ما رأى خلقا ينتحلون الاسلام ولا يعرفون اسم سلطان الأنام، وذلك لعدم انذارهم وبعد مسافة ديارهم فأخبرهم باسمه وعرفهم حق طاعته وأمرهم ان يخطبوا باسمه ثم ردعهم، وسار حتى إذا عبر بحر عمان وابصر اعلام البصرة في يمن وأمان وانتحى جانب مدينة السلام في خير وسلام وأفاض على العساكر ما كلف بحمله إليهم من الأرزاق وهنالك أزهرت اكناف العراقيين لا سيما وقد قارن ذلك الطالع السعيد قدوم واليها الوزير الأعظم والمشير الأفخم محمد رشيد فكان ذلك نورا على نور وعيدا على عيد، فانتدبت إذ ذاك لإنشاء هذه القصيدة في مدح حضرة سلطان السلاطين ووزراء دولته الأفاخم الأكرمين ومدح حضرة شيخ الاسلام والمسلمين، وجعل ختام مدحي للأمير المشار إليه فقلت:
بدا للعلى في جبهة الدهر نير * به قد غدا يزهو الوجود ويزهر وقد فاض من عبد المجيد على الورى * سحاب ندى بالجود يهمي ويهمر واضحت به الدنيا تميس من الهنا * كغانية في حليها تتبختر وأمست ثغور المسلمين بعزمه * ممتعة أركانها ليس تثغر وللدين في أيام سلطانه حمى * منيع، وللاسلام سور معمر وللملة البيضاء عين قريرة * ووجه طليق بالمسرات مسفر وللشرع تأييد وللملك رونق * لناظره من رونق الشمس انضر مليك ملوك الأرض شرقا ومغربا * تؤمل نعماه وبؤساه تحذر وسلطان عدل في البرايا قد ارتقى * مراتب عنها ناظر الدهر يحسر تحرر لله المماليك كفه * ويملك منها جوده ما يحرر ويغفر ما تجني الرعايا كأنما * يود بان تجني الرعايا فيغفر ويطوي الردى عنها كما ينشر الندى * عليها فلا ينفك يطوي وينشر