إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٣ - الصفحة ٣١
شمالي فلم أر أحدا، ثم نوديت، فنظرت فلم أر أحدا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في [الهواء] (1) - يعني جبريل عليه السلام - فأخذتني رجفة شديدة فأتيت خديجة فقلت: دثروني، فدثروني وصبوا علي ماءا (2)، فأنزل الله عز وجل: (يا أيها المدثر (3) قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر).

(١) في (خ): " في الهوى ".
أما قوله: " إن أول ما أنزل قوله تعالى: (يا أيها المدثر)، فهو ضعيف بل باطل، والصواب أن أول ما أنزل على الإطلاق: (أقرأ باسم ربك)، كما صرح به في حديث عائشة رضي الله عنها، وأما (يا أيها المدثر) فكان نزولها بعد فترة الوحي، كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر، والدلالة صريحة فيه في مواضع، منها قوله وهو يحدث عن فترة الوحي إلى أن قال: فأنزل الله تعالى: (يا أيها المدثر)، ومنها قوله: ثم تتابع الوحي - يعني بعد فترته - فالصواب: أن أول ما نزل: (اقرأ)، وأن أول ما نزل بعد فترة الوحي: (يا أيها المدثر). وأما قول من قال من المفسرين: أول ما نزل الفاتحة، فبطلانه أظهر من أن يذكر. والله أعلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " فاستبطنت الوادي "، أي صرت في باطنه، وقوله صلى الله عليه وسلم في جبريل عليه السلام:
" فإذا هو على العرش في الهواء "، المراد بالعرش الكرسي، كما تقدم في الرواية الأخرى " على كرسي بين السماء والأرض "، قال أهل اللغة: العرش هو السرير، وقيل: سرير الملك.
قال الله تعالى: (ولها عرش عظيم)، [الآية ٢٣ / النمل]، والهواء هنا ممدود يكتب بالألف، وهو الجو بين السماء والأرض كما في الرواية الأخرى، والهواء: الخالي، قال تعالى: (وأفئدتهم هواء) [الآية ٤٣ / إبراهيم].
قوله صلى الله عليه وسلم: " فأخذتني رجفة شديدة "، هكذا هو في الروايات المشهورة " رجفة: بالراء "، قال القاضي: ورواه السمرقندي " وجفة: بالواو " وهما صحيحان متقاربان، ومعناهما: الاضطراب.
قال الله تعالى: (قلوب يومئذ واجفة) [الآية ٨ / النازعات]، وقال تعالى: (يوم ترجف الراجفة) [الآية ٦ / النازعات]، وقال تعالى: (يوم ترجف الأرض والجبال) [الآية ١٤ / المزمل].
(٢) قوله صلى الله عليه وسلم: " فصبوا علي ماء "، فيه أنه ينبغي أن يصب على الفزع الماء ليسكن فزعه. والله تعالى أعلم.
(٣) وأما تفسير قوله تعالى: (يا أيها المدثر)، فقال العلماء: المدثر، والمتلفف، والمشتمل، بمعنى واحد، ثم الجمهور على أن معناه المدثر بثيابه وحتى الماوردي قولا عن عكرمة أنه معناه المدثر بالنبوة وأعبائها.
وقوله تعالى: (قم فأنذر)، معناه حذر العذاب من لم يؤمن، (وربك فكبر) أي عظمه ونزهه عما لا يليق به، (وثيابك فطهر) قيل معناه طهرها من النجاسة، وقيل قصرها، وقيل:
المراد بالثياب النفس، أي طهرها من الذنب وسائر النقائص. (والرجز) بكسر الراء في قراءة الأكثرين، وقرأ حفص بضمها، وفسره في الكتاب الأوثان، وكذا قاله جماعات من المفسرين. والرجز في اللغة العذاب، وسمي الشرك وعبادة الأوثان رجزا لأنه سبب العذاب، وقيل: المراد بالرجز في الآية الشرك، وقيل: الذنب وقيل: الظلم. والله أعلم. (مسلم بشرح النووي): ٢ / ٥٦٥ - ٥٦٧، كتاب الإيمان باب (73) حديث رقم (257).
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر مجيء الملك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالات ربه تعالى 3
2 ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
3 ذكر الاختلاف في شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى كان وأين وقع؟ 32
4 ذكر مجيء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصورة التي خلقه الله عليها 39
5 ذكر كيفية إلقاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 45
6 ذكر تعليم جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة 53
7 وأما إقامة جبريل عليه السلام أوقات الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمه فيها 60
8 ذكر الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يستقبلها في صلاته 81
9 ذكر من قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الملائكة 94
10 فصل في ذكر الفضائل التي خص الله تعالى بها نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وشرفه بها على جميع الأنبياء 95
11 فأما أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين 96
12 وأما مخاطبة الله له بالنبوة والرسالة، ومخاطبة من عداه من الأنبياء باسمه 105
13 وأما دفع الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قرفه به المكذبون، ونهى الله تعالى العباد عن مخاطبته باسمه 108
14 وأما دفع الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرفه المكذبون له 111
15 وأما مغفرة ذنبه من غير ذكره تعالى له خطأ ولا زلة 112
16 وأما أخذ الله تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصروه إن أدركوه 116
17 وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى الله عليه وسلم 122
18 وأما فرض طاعته، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه بما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتى به 132
19 وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم 145
20 وأما أمر الكافة بالتأسي به قولا وفعلا 154
21 وأما اقتران اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى 167
22 وأما تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم قبل تمام خلق آدم عليه السلام 169
23 ذكر التنويه بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمن آدم عليه السلام 187
24 وأما شرف أصله، وتكريم حسبه، وطيب مولده صلى الله عليه وسلم 204
25 وأما أن أسماءه خير الأسماء 216
26 وأما قسم الله تعالى بحياته صلى الله عليه وسلم 221
27 وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم 224
28 فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات الله عليهما وسلامه 241
29 وأما اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر 263
30 ذكر المقام المحمود الذي وعد الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم 288
31 تنبيه وإرشاد 292
32 إيضاح وتبيان 295
33 وأما حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر 297
34 وأما كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلم 309
35 وأما الخمس التي أعطيها صلى الله عليه وسلم 311
36 وأما أنه بعث بجوامع الكلم وأوتي مفاتيح خزان الأرض 315
37 وأما تأييده بقتال الملائكة معه 319
38 وأما أنه خاتم الأنبياء 334
39 وأما أن أمته خير الأمم 338
40 وأما ذكره صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته صلى الله عليه وسلم 345
41 ثم جاءني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم 378
42 وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 379
43 ومن إعلامه في التوراة 385
44 ومن إعلامه في التوراة أيضا 386
45 ومن ذكر شعيا له 387
46 ومن ذكر شعيا له 388
47 وفي حكاية يوحنا عن المسيح 390
48 وفي إنجيل متى 391
49 وذكر شعيا طريق مكة فقال: 394
50 وأما سماع الأخبار بنبوته من الجن وأجواف الأصنام ومن الكهان 396