ولابنه المستنصر من بعده من خطاب التمويل والإشارة بالطاعة والانقياد حتى غلبوا على مراكش وخطبوا باسم المستنصر على منابرها حينا من الدهر ثم تبين لهم بعد تناول تلك القاصية عليه فعطلوا منابرهم من أسماء أولئك وأقطعوهم جانب الوداد والموالاة ثم سموا إلى اللقب والتفنن في الشارة الملوكية كما تقتضيه طبيعة الدول وأما يغمراسن وبنوه فلم يزالوا آخذين بدعوتهم واحدا بعد واحد متجافين عن اللقب أدبا معهم مجددين البيعة لكل من يتجدد قيامه بالخلافة منهم يوفدون بها كبار أبنائهم وأولى الرأي من قومهم ولم يزل الشأن ذلك ولما هلك الأمير أبو زكريا وقام ابنه محمد المستنصر بالأمر من بعده وخرج عليه أخوه الأمير أبو اسحق في احياء الزواودة من رياح ثم غلبهم المستنصر جميعا ولحق الأمير أو اسحق بتلمسان في أهله فأكرم يغمراسن نزلهم وأجاز إلى الأندلس للمرابطة بها والجهاد حتى إذا هلك المستنصر سنة سبع وسبعين واتصل به خبر مهلكه ورأى أنه أحق بالأمر فأجاز البحر من حينه ونزل بمرسى هنى سنة سبع وسبعين ولقاه يغمراسن مبرة وتوقيرا واحتفل لقدومه وأركب الناس لتلقيه وأتاه ببيعته على عادته مع سلفه ووعده النصرة على عدوه والموازرة على أمره وأصر إليه يغمراسن في احدى بناته المقصورات في خيام الخلافة بابنه عثمان ولى عهده وأسعفه وأجمل في ذلك وعده وانتقض محمد بن أبي هلال عامل بجاية على الواثق وخلع طاعته ودعا للأمير أبى اسحق واستحثه للقدوم فأغذ إليه السبر من تلمسان وكان من شأنه ما قدمناه في أخباره فلما كانت سند احدى وثمانين وزحف يغمراسن إلى بلاد مغراوة وغلبهم على الضواحي والأمصار بعث من هنالك ابنه إبراهيم وتسميه زناتة برهوم ويكنى أبا عامر أوفده في رجال من قومه على الخليفة أبى اسحق لاحكام الصهر بينهما فنزلوا منه على خير نزل من اسناء الجراية ومضاعفة الكرامة والمبرة وظهر من آثاره في حروب ابن أبي عمارة ما مد الأعناق إليه وقصر الشيم الزناتية على بيته ثم انقلب آخرا بظعينته محبوا محبورا وابتنى بها عثمان لحين وصولها وأصبحت عقيلة قصره فكان ذلك مفخر لدولته وذكرا له ولقومه ولحق الأمير أبو زكريا ابن الأمير أبى اسحق بتلمسان بعد خلوصه من مهلك قومه في واقعة الدعي بن أبي عمارة عليهم بمرماجنة سنة ثنتين وثمانين فنزل من عثمان بن يغمراسن صهره خير نزل برا واحتفاء وتكريما وملاطفة وسربت إليه أخته من القصر أنواع التحف والانس ولحق به أولياؤهم من صنائع دولتهم وكبيرهم أبو الحسن محمد بن الفقيه المحدث أبى بكر ابن سيد الناس اليعمري فتفيؤوا من كرامة الدولة بهم ظلا وارفا واستنهضوه إلى تراث ملكه وفاوض أبا مثواه عثمان بن يغمراسن في ذلك فناكره لما كان قد أخذه بدعوة
(٩٠)