تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥
والآثار * ثم إن أكثر التواريخ لهؤلاء عامة المناهج والمسالك * لعموم الدولتين صدر الاسلام في الآفاق والممالك * وتناولها البعيد من الغايات في المآخذ والمتارك ومن هؤلاء من استوعب ما قبل الملة من الدول والأمم * والامر العمم * كالمسعودي ومن نحا منحاه وجاء من بعدهم من عدل عن الاطلاق إلى التقييد ووقف في العموم والإحاطة عن الشأو البعيد * فقيد شوارد عصره * واستوعب أخبار أفقه وقطره * واقتصر على تاريخ دولته ومصره * كما فعل أبو حيان مؤرخ الأندلس والدولة الأموية بها وابن الرفيق مؤرخ أفريقية والدولة التي كانت بالقيروان ثم لم يأت من بعد هؤلاء إلا مقلد * وبليد الطبع والعقل أو متبلد * ينسج على ذلك المنوال * ويحتذي منه بالمثال * ويذهل عما أحالته الأيام من الأحوال * واستبدلت به من عوائد الأمم والأجيال * فيجلبون الاخبار عن الدول * وحكايات الوقائع في العصور الأول * صورا قد تجردت عن موادها * وصفاحا انتضيت من أغمادها * ومعارف تستنكر للجهل بطارفها وتلادها * إنما هي حوادث لم تعلم أصولها * وأنواع لم تعتبر أجناسها ولا تحققت فصولها * يكررون في موضوعاتها الاخبار المتداولة بأعيانها * اتباعا لمن عني من المتقدمين بشأنها * ويغفلون أمر الأجيال الناشئة في ديوانها * بما أعوز عليهم من ترجمانها * فتستعجم صحفهم عن بيانها * ثم إذا تعرضوا لذكر الدولة نسقوا أخبارها نسقا * محافظين على نقلها وهما أو صدقا * لا يتعرضون لبدايتها * ولا يذكرون السبب الذي رفع من رايتها * وأظهر من آيتها * ولا علة الوقوف عند غايتها * فيبقى الناظر متطلعا بعد إلى افتقاد أحوال مبادئ الدول ومراتبها * مفتشا عن أسباب تزاحمها أو تعاقبها * باحثا عن المقنع في تباينها أو تناسبها * حسبما نذكر ذلك كله في مقدمة الكتاب ثم جاء آخرون بإفراط الاختصار * وذهبوا إلى الاكتفاء بأسماء الملوك والاقتصار * مقطوعة عن الأنساب والاخبار * موضوعة عليها أعداد أيامهم بحروف الغبار * كما فعله ابن رشيق في ميزان العمل * ومن اقتفى هذا الأثر من الهمل * وليس يعتبر لهؤلاء مقال * ولا يعد لهم ثبوت ولا انتقال * لما أذهبوا من الفوائد * وأخلوا بالمذاهب المعروفة للمؤرخين والعوائد ولما طالعت كتب القوم * وسبرت غور الأمس واليوم * نبهت عين القريحة من
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»