عبد الله بن قمئة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نال رجع وهو يقول: قتلت محمدا. وصرخ الشيطان أزب العقبة يومئذ بأبعد صوت: ألا إن محمدا قد قتل! فحصل بهتة عظيمة في المسلمين واعتقد كثير من الناس ذلك وصمموا على القتال عن حوزة الاسلام حتى يموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم أنس بن النضر وغيره ممن سيأتي ذكره، وقد أنزل الله تعالى التسلية في ذلك على تقدير وقوعه فقال تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسنجزي (وسيجزي) الله الشاكرين * وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا، ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها، ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها، وسنجزي الشاكرين * وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين * يا أيها الذين آمنوا أن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين * بل الله مولاكم وهو خير الناصرين * سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين) [آل عمران: 144 - 151]. وقد تكلمنا على ذلك مستقصى في كتابنا التفسير ولله الحمد. وقد خطب الصديق رضي الله عنه في أول مقام قامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. ثم تلا هذه الآية (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) الآية.
قال: فكأن الناس لم يسمعوها قبل ذلك، فما من الناس أحد إلا يتلوها. وروى البيهقي في دلائل النبوة: من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه قال: مر رجل من المهاجرين يوم أحد على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه. فقال له: يا فلان، أشعرت أن محمدا قد قتل. فقال الأنصاري:
إن كان محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل فقد بلغ الرسالة فقاتلوا عن دينكم، فنزل (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) الآية. ولعل هذا الأنصاري هو أنس بن النضر رضي الله عنه وهو عم أنس بن مالك. قال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا حميد عن أنس أن عمه غاب عن قتال بدر، فقال غبت عن أول قتال قاتله النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين، لئن الله اشهدني قتالا للمشركين ليرين ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون، فقال: اللهم إني أعتذر إليك عما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ دون أحد فقال سعد:
أنا معك؟ قال سعد: فلم أستطع أصنع ما صنع، فوجد فيه بضع وثمانون من بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم (2)، قال: فكنا نقول: فيه وفي أصحابه نزلت (فمنهم من قضى نحبه