هوى) [طه: 81. أي فقد هلك وحق له والله الهلاك والدمار وقد حل عليه غضب الملك الجبار ولكنه تعالى مزج هذا الوعيد الشديد بالرجاء لمن أناب وتاب (1) ولم يستمر على متابعة الشيطان المريد فقال (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) [طه: 82].
سؤال الرؤية قال تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا. فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين. قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين. وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذونها بأحسنها سأريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق. وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا. ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين. والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) [الأعراف: 142 - 147]. قال جماعة من السلف منهم ابن عباس ومسروق ومجاهد: الثلاثون ليلة هي شهر ذي القعدة بكماله، وأتمت أربعين ليلة بعشر ذي الحجة. فعلى هذا يكون كلام الله له يوم عيد النحر، وفي مثله أكمل الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم دينه وأقام حجته وبراهينه. والمقصود أن موسى عليه السلام لما استكمل الميقات. وكان فيه صائما يقال إنه لم يستطعم الطعام، فلما كمل الشهر أخذ لحا (2) شجرة فمضغه ليطيب ريح فمه، فأمر الله أن يمسك عشرا أخرى، فصارت أربعين ليلة. ولهذا ثبت في الحديث: " أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " (3). فلما عزم على الذهاب استخلف على شعب بني إسرائيل أخاه هارون، المحبب المبجل الجليل، وهو ابن أمه وأبيه، ووزيره في الدعوة إلى مصطفيه، فوصاه، وأمره وليس في هذا لعلو منزلته في نبوته منافاة، قال الله تعالى (ولما جاء موسى لميقاتنا) أي في الوقت الذي أمر بالمجئ فيه (وكلمه ربه) أي كلمه الله من وراء حجاب، إلا أنه أسمعه الخطاب، فناداه وناجاه، وقربه وأدناه، وهذا مقام رفيع ومعقل منيع، ومنصب شريف ومنزل منيف، فصلوات الله عليه تترى، وسلامه عليه في الدنيا