النفقات والكساوى والهبات فرجعت به تحوزه إلى رحلها وقد جمع الله شمله بشملها. قال الله تعالى (فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق) أي كما وعدناها برده ورسالته فهذا رده وهو دليل على صدق البشارة برسالته (ولكن أكثرهم لا يعلمون) وقد أمتن الله على موسى بهذا ليلة كلمه فقال هل فيما قال له (ولقد متنا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني) [طه: 37 - 39] [وذلك أنه كان لا يراه أحد إلا أحبه] (1) (ولتصنع على عيني) إذ قال قتادة وغير واحد من السلف أي تطعم وترفه وتغذي بأطيب المآكل وتلبس أحسن الملابس بمرأى مني وذلك كله بحفظي وكلائتي لك فيما صنعت بك لك وقدرته من الأمور التي لا يقدر عليها غيري (إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرددناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا) [طه: 40] وسنورد حديث الفتون في موضعه بعد هذا إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان.
(ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين. ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم * قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين) [القصص: 14 - 17] لما ذكر تعالى أنه أنعم على أمه برده لها وإحسانه بذلك وامتنانه عليها شرع في ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى هو احتكام الخلق والخلق وهو سن الأربعين في قول الأكثرين آتاه الله حكما وعلما وهو النبوة والرسالة التي كان بشر بها أمه حين قال (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) ثم شرع في ذكر سبب خروجه من بلاد مصر وذهابه إلى أرض مدين وإقامته هنالك حتى كمل الاجل وانقضى الأمد وكان ما كان من كلام الله له وإكرامه بما أكرمه به كما سيأتي. قال تعالى (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدي وذلك نصف النهار * وعن ابن عباس بين العشائين (فوجد فيها رجلين يقتتلان) أي يتضاربان ويتهاوشان (هذا من شيعته) أي إسرائيلي (وهذا من عدوه) أي قبطي. قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) وذلك أن موسى عليه السلام كانت له بديار مصر صولة بسبب نسبته إلى تبني فرعون له وتربيته في بيته وكانت بنو إسرائيل قد عزوا وصارت لهم وجاها وارتفعت رؤوسهم بسبب أنهم أرضعوه وهم أخواله أي من الرضاعة فلما استغاث ذلك الإسرائيلي موسى عليه السلام على ذلك القبطي أقبل إليه موسى (فوكزه) * قال مجاهد أي طعنه بجمع كفه *