لقوله تعالى: (وما هي من الظالمين ببعيد). وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينفع بمائها ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها لردائتها ودناءتها فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله واتبع هواه وعصى مولاه.
ودليلا على رحمته بعباده المؤمنين في انجائه إياهم من المهلكات. وإخراجه إياهم من النور إلى الظلمات كما قال تعالى (ان في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين. وان ربك لهو العزيز الرحيم) [الشعراء: * - 9] وقال تعالى (فأخذتهم الصيحة مشرقين. فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل. إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم. ان في ذلك لآية للمؤمنين) [الحجر: 73 - 77] أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم، كيف غير الله تلك البلاد وأهلها؟ وكيف جعلها بعدما كانت آهلة عامرة. هالكة غامرة؟ كما روى الترمذي وغيره مرفوعا: " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " (1) ثم قرأ (إن في ذلك لآيات للمتوسمين). وقوله (وانها لبسبيل مقيم) [الحجر: 76] أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن كما قال (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون) [الصافات: 137] وقال تعالى (ولقد تركناها آية بينة لقوم يعقلون) [العنكبوت: 35] وقال تعالى (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم) [الذاريات: 35 - 37] أي تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة وخشي الرحمن بالغيب وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فانزجر عن محارم الله وترك معاصيه وخاف أن يشابه قوم لوط (ومن تشبه بقوم فهو منهم) وإن لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه كما قال بعضهم:
فان لم تكونوا قوم لوط بعينهم * فما قوم لوط منكم ببعيد فالعاقل اللبيب الخائف من ربه الفاهم يمتثل ما أمره الله به عز وجل ويقبل ما أرشده إليه رسول الله من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال. والجواري من السراري ذوات الجمال.
وإياه أن يتبع كل شيطان مريد. فيحق عليه الوعيد. ويدخل في قوله تعالى (وما هي من الظالمين ببعيد).