تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٢ - الصفحة ٤٤٨
قال الضياء: وكل من رأينا من المحدثين ممن رأى الحافظ عبد الغني وجرى ذكر حفظه ومذاكراته قال: ما رأينا مثله، أو ما يشبه هذا.
ثم ذكر الضياء فصلا في حرصه على الحديث وطلبه وتحريضه للطلبة، وقال: حرضني على) السفر إلى مصر، وسافر معنا ولده أبو سليمان وله نحو عشر سنين. وسير قبلنا ولديه محمدا وعبد الله إلى إصبهان. ثم سفر إسماعيل بن ظفر، وزوده وأعطاه ما احتاج إليه، فسافر إلى بغداد، وإصبهان، وخراسان. وقل ذلك حرض أبا الحجاج يوسف بن خليل على السفر.
وكان يقرأ الحديث يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع دمشق وليلة الخميس بالجامع أيضا. ويجتمع خلق. وكان يقرأ ويبكي، ويبكي الناس بكاء كثيرا وكان بعد القراءة يدعو دعاء كثيرا.
وسمعت شيخنا أبا الحسن علي بن إبراهيم بن نجا الواعظ بالقرافة يقول على المنبر: قد جاء الإمام الحافظ وهو يريد أن يقرأ الحديث، فأشتهي أن تحضروا مجلسه ثلاث مرات، وبعدها أنتم تعرفونه، ويحصل لكم الرغبة. فجلس أول يوم، وكنت حاضرا بجامع القرافة، فقرأ أحاديث بأسانيدها حفظا، وقرأ جزءا، ففرح الناس بمجلسه فرحا كثيرا.
ثم سمعت ابن نجا شيخنا يقول: قد حصل الذي كنت أريده في أول مجلس.
قال: وكان يجلس بمصر في غير موضع يقرأ الحديث.
وكان رحمه الله لا يكاد يضيع شيئا من زمانه بلا فائدة. فإنه كان يصلي الفجر، ويلقن القرآن، وربما لقن الحديث. فقد حفظنا منه أحاديث جمة تلقينا. ثم يقوم فيتوضأ، ويصلي ثلاثمائة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى قبل وقت الظهر، ثم ينام نومه، ثم يصلي الظهر، ويشتغل إما بالتسميع أو النسخ إلى المغرب، فإن كان صائما أفطر، وإن كان مفطرا صلى من المغرب إلى
(٤٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 ... » »»