تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢٤ - الصفحة ٢٤٦
لسانه ويلبس جبة صوف، ولا يترك معه في الحبس إلا دورق يشرب منه، ووكل به خادما صبيا أعجميا، فكان لا يفهم عنه ولا يخدمه.
ثم فرق بينه وبين الخادم، وبقي وحده. فكان الخدم يقولون لي بعد ذلك إنهم كانوا يرونه من شقوق الباب يستقي بفيه ويده الصحيحة من البئر للوضوء والشرب.
ثم أمر الراضي أن يقطع عنه الخبز، فقطع عنه أياما ومات. وكان مولده في سنة.
وقال غيره: استوزره القاهر بالله ثم نكبوه. ثم وزر للراضي بالله قليلا، ثم مسك سنة أربع وعشرين وضرب وعلق وصودر، وأخذ خطه بألف ألف دينار، ثم تخلص.
ثم إن أبا بكر محمد بن رائق لما استولى على الأمور وعظم عند الراضي احتاط على ضياع ابن مقلة وأملاكه. فأخذ في السعي بابن رائق وألب عليه، وكتب إلى الراضي يشير عليه بإمساكه، وضمن له إن فعل ذلك وقلده الوزارة استخرج له ثلاثة آلاف ألف دينار. وسعى بالرسالة علي بن هارون المنجم، فأطمعه الراضي بالإجابة. فلما حضر حبسه، وعرف ابن) رائق بما جرى، وذلك في سنة ست وعشرين. فطلب ابن رائق من الراضي قطع يد ابن مقلة.
فقطعت وحبس. ثم ندم الراضي وداواه حتى برئ. فكان ذلك لعل بدعاء ابن شنبوذ المقرئ عليه بقطع اليد. فكان ينوح ويبكي على يده ويقول: كتبت بها القرآن وخدمت بها الخلفاء.
ثم أخذ يراسل الراضي ويطمعه في الأموال. وكان يشد القلم على زنده ويكتب. فلما قرب بجكم التركي، أحد خواص ابن رائق، من بغداد، أمر ابن رائق بقطع لسان ابن مقلة فقطع.
ولحقه ذرب، وقاسى الذل، ومات في السجن وله ستون سنة.
ومن شعره قوله:
* قد سئمت الحياة لما توثقت * بأيمانهم فبانت يميني *
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»