وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٥ - الصفحة ٢٣
الأولى سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وقيل إنه عاش إلى قريب الخمسين وأربعمائة ودفن بقصر إشبيلية واختلفوا أيضا في مبدأ استيلائه فقيل سنة أربع عشرة وأربعمائة وهو الذي ذكره العماد الكاتب في الخريدة وقيل أربع وعشرين والله أعلم بالصواب في ذلك كله 205 ولما مات محمد القاضي قام مقامه ولده المعتضد بالله أبو عمرو عباد قال أبو الحسن علي بن بسام صاحب كتاب الذخيرة في حقه ثم أفضى الأمر إلى عباد سنة ثلاث وثلاثين وتسمى أولا بفخر الدولة ثم بالمعتضد قطب رحى الفتنة ومنتهى غاية المحنة من رجل لم يثبت له قائم ولا حصيد ولا سلم منه قريب ولا بعيد جبار أبرم الأمر وهو متناقض وأسد فرس الطلا وهو رابض متهور تتحاماه الدهاة وجبان لا تأمنه الكماة متعسف اهتدى ومنبت قطع فما أبقى ثار والناس حرب وضبط شأنه بين قائم وقاعد حتى طالت يده واتسع بلده وكثر عديده وعدده وكان قد أوتي أيضا من جمال الصورة وتمام الخلقة وفخامة الهيئة وسباطة البنان وثقوب الذهن وحضور الخاطر وصدق الحس ما فاق على نظرائه ونظر مع ذلك في الأدب قبل ميل الهوى به إلى طلب السلطان أدنى نظر بأزكى طبع حصل منه لثقوب ذهنه على قطعة وافرة علقها من غير تعمد لها ولا إمعان في غمارها ولا إكثار من مطالعتها ولا منافسة في اقتناء صحائفها أعطته سجيته على ذلك ما شاء من تحبير الكلام وقرض قطع من الشعر ذات طلاوة في معان أمدته فيها الطبيعة وبلغ فيها الإرادة واكتتبها الأدباء للبراعة جمع هذه الخلال الظاهرة إلى جود كف بارى السحاب بها وأخبار المعتضد في جميع أفعاله وضروب أنحائه غريبة بديعة وكان ذا كلف بالنساء فاستوسع في اتخاذهن وخلط في جنوسهن فانتهى في ذلك إلى مدى لم يبلغه أحد من نظرائه ففشا نسله لتوسعه في النكاح وقوته عليه فذكر أنه كان له من الولد نحو العشرين ذكورا ومن الإناث مثلهم وأورد له عدة مقاطيع فمن ذلك قوله (شربنا وجفن الليل يغسل كحله * بماء صباح والنسيم رقيق) (معتقة كالتبر أما نجارها * فضخم وأما جسمها فدقيق)
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»