عبد الله بن سعد أرسل هرقل إلى أهلها بطريقا له وأمره أن يأخذ منهم مثل ما أخذ المسلمون، فنزل البطريق في قرطاجنة وجمع أهل إفريقية وأخبرهم بما أمره الملك فانجوا عليه، وقالوا: نحن نؤدي ما كان يؤخذ منا، وقد كان ينبغي له أن يسامحنا لما ناله المسلمون منا وكان قد قام بأمر إفريقية بعد قتل جرجير رجل آخر من الروم فطرده البطريق بعد فتن كثيرة، فسار إلى الشام وبه معاوية وقد استقر له الأمر بعد قتل علي، فوصف له إفريقية، وطلب أن يرسل معه جيشا، فستر معه معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج السكوني فلما وصلوا إلى الإسكندرية هلك الرومي ومضى ابن حديج فوصل إلى إفريقية وهي نار تضطرم وكان معه عسكر عظيم فنزل عند قمونية، وأرسل البطريق إليه ثلاثين ألف مقاتل، فلقا سمع بهم معاوية سير إليهم جيشا من المسلمين فقاتلوهم فانهزمت الروم، وحصر حصن جلولاء فلم يقدر عليه فانهدم سور الحصن فملكه المسلمون وغنموا ما فيه، وبث السرايا فسكن الناس وأطاعوا وعاد إلى مصر:
(حديج بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وآخره جيم).
ثم لم يزل أهل إفريقية من أطوع أهل البلدان وأسمعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك حتى دبى إليهم أهل العراق فاستشاروهم وشقوا العصا وفرقوا بينهم إلى اليوم، وكانوا يقولون: لا نخالف الأئمة بما تجني العمال. فقالوا لهم: أنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك. فقالوا: حتى نخبرهم فخرج ميسرة في بضعة وعشرين رجلا فقدموا على هشام فلم يؤذن لهم، فدخلوا علن الأبرش فقالوا: أبلغ أمير المؤمنين أن أميرنا يغزو بنا وبجنده، فإذا غنمنا نفلهم ويقول: هذا أخلص لجهادنا، وإذا حاصرنا مدينة قدمنا وأخرهم ويقول: هذا ازدياد في الأجر، ومثلنا كفى إخوانه، ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا فجعلوا يبقرون