العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٦٨
فقالوا: ولو بعثنا إلى عمر، فإنا لا نأمن أن يفسد علينا، فلعله أن يكف عنا شره! فأرسلوا إليه فجاءهم. فقالوا مثل قولهم لأبي بكر، فقال: لا آلوكم إن شاء الله شرا! ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وإذا الناس حول النبي، وأبو بكر يفثؤه (1) ويلينه وهو يقول: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، قومك فيهم الآباء والأبناء، والعمومة والاخوان، وبنو العم. وأبعدهم منك قريب، فامنن عليهم من الله عليك، أو فادهم يستنقذهم الله بك من النار، فما أخذت منهم فهو قوة للمسلمين، ولعل الله أن يقبل بقلوبهم!! ثم قام فتنحى ناحية وسكت النبي صلى الله عليه وجاء عمر فجلس مجلس أبى بكر فقال: يا نبي الله، هم أعداء الله كذبوك وقاتلوك وأخرجوك، اضرب أعناقهم فإنهم رؤوس الكفر، وأئمة الضلالة، يعز الله بذلك الاسلام ويذل الشرك!! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم وعاد أبو بكر إلى مجلسه وإلى مثل ذلك الكلام، ثم تنحى وقام عمر فجلس مجلسه وأعاد مثل الكلام الأول، ثم تنحى عمر وجلس أبو بكر، ثلاث مرات. فسكت النبي عليه السلام، ثم قام فدخل قبته فمكث ساعة وخرج والناس يخوضون، يقول بعضهم: القول ما قال أبو بكر، وبعضهم يقول: القول ما قال عمر.
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في صاحبيكم؟ دعوهما فإن لهما مثلا: مثل أبى بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرضا والعفو، ومثله في الأنبياء مثل إبراهيم كان ألين على قومه من العسل، أوقد له قومه النار فطرحوه فيها، فما زاد على أن قال: " أف لكم

(1) يفثؤه: يسكن غضبه. ورسمت في الأصل " بفتاؤه ".
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»