العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٣٢٠
(14) ص 39 - 40 من العثمانية لا أشك أن الباطل خان أبا عثمان، والخطأ أقعده، والخذلان أصاره إلى الحيرة، فما علم وعرف حتى قال ما قال. فزعم أن عليا عليه السلام قبل الهجرة لم يمتحن ولم يكابد المشاق، وأنه إنما قاسى مشاق التكليف ومحن الابتلاء منذ يوم بدر، ونسى الحصار في الشعب وما منى به، وأبو بكر وادع رافه يأكل ما يريد ويجلس مع من يحب مخلى سربه طيبة نفسه، ساكنا قلبه، وعلى يقاسى الغمرات ويكابد الأهوال، ويجوع ويظمأ، ويتوقع القتل صباحا ومساء، لأنه كان هو المتوصل المحتال في إحضار قوت زهيد من شيوخ قريش وعقلائها سرا، ليقيم به رمق رسول الله صلى الله عليه وآله وبنى هاشم وهم في الحصار، ولا يأمن في كل وقت مفاجأة أعداء رسول الله صلى الله عليه وآله له بالقتل، كأبى جهل بن هشام، وعقبة بن أبي معيط، والوليد ابن المغيرة، وعتبة بن ربيعة، وغيرهم من فراعنة قريش وجبابرتها. ولقد كان يجيع نفسه ويطعم رسول الله صلى الله عليه وآله زاده، ويظمئ نفسه ويسقيه ماءه، وهو كان المعلل له إذا مرض، والمؤنس له إذا استوحش، وأبو بكر بنجوة عن ذلك لا يمسه مما يمسهم ألم، ولم يلحقه مما يلحقهم مشقة، ولا يعلم بشئ من أخبارهم وأحوالهم إلا على سبيل الاجمال دون التفصيل، ثلاث سنين محرمة معاملتهم ومناكحتهم ومجالستهم، محبوسين محصورين، ممنوعين من الخروج، والتصرف في أنفسهم.
فكيف أهمل الجاحظ هذه الفضيلة ونسى هذه الخصيصة ولا نظير لهما.
ولكن لا يبالي الجاحظ بعد أن يسوغ له لفظه وتنسق (1) له خطابته ما ضيع من المعنى ورجع عليه من الخطأ.
فأما قوله: " وعلموا أن العاقبة للمتقين " ففيه إشارة إلى معنى غامض قصده الجاحظ، يعنى أن لا فضيلة لعلى عليه السلام في الجهاد، لان الرسول كان أعلمه أنه

(1) كذا في ط. وفى الأصل: " وتنشق ".
(٣٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 ... » »»