العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٣٠٨
عليه السلام. لسنا نقول إنه كان مساويا له في الفضيلة، ولكن كان مقتديا بطريقه، على ما قال الله تعالى: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولى المؤمنين ".
وأما اعتلال الجاحظ (1) بأن له ظهرا كأبى طالب، وردءا كبنى هاشم، فإنه يوجب عليه أن يكون محنة أبى بكر وبلال وثوابهما وفضل إسلامهما أعظم مما لرسول الله صلى الله عليه وآله، لان أبا طالب ظهره، وبنى هاشم رداؤه. وحسبك جهلا من معاند لم يستطع حط قدر علي عليه السلام إلا بحطه من قدر رسول الله صلى الله عليه وآله.
ولم يكن أحد أشد على رسول الله صلى الله عليه وآله من قراباته الأدنى منهم فالأدنى كأبى لهب عمه، وامرأة أبى لهب، وهى أم جميل بنت حرب بن أمية وإحدى أولاد عبد مناف. ثم ما كان من عقبة بن أبي معيط وهو ابن عمه، وما كان من النضر بن الحارث وهو من بنى عبد الدار بن قصي وهو ابن عمه أيضا، وغير هؤلاء من يطول تعداده، وكلهم كان يطرح الأذى في طريقه وينقل أخباره، ويرميه بالحجارة، ويرمى الكرش والفرث (2) عليه، وكانوا يؤذون عليا عليه السلام كأذاه، ويجتهدون في غمه ويستهزئون به، وما كان لأبي بكر قرابة تؤذيه كقرابة على. ولما كان بين على وبين النبي صلى الله عليه وآله من الاتحاد والألف والاتفاق، أحجم المنافقون بالمدينة عن أذى رسول الله صلى الله عليه وآله خوفا من سيفه وأنه صاحب الدار والجيش، وأمره مطاع وقوله نافذ، فخافوا على دمائهم منه فاتقوه، وأمسكوا عن إظهار بغضه وأظهروا بغض علي عليه السلام وشنآنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله في حقه الخبر الذي روى في جميع الصحاح: " لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق ". وقال كثير من أعلام الصحابة كما روى في الخبر المشهور بين المحدثين: " ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب ". وأين كان ظهر

(1) هذا ما في ط. وبدلها في الأصل: " وقوله " فقط.
(2) في الأصل: " والضرب " صوابه في ط.
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»