العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٦٢
فإن قالوا: فهل يلزمها فرض الإقامة إذا كانت العامة كافة عن العون عليها.
قلنا: قد يلزمها في ذلك ولا يلزمها في أخرى.
وإن قالوا: ففي أية الحالين يلزمها؟
قلنا: إذا كان المستحق للامامة والمستوجب للخلافة معروف الموضع، مكشوف الامر، وكانت التقية عنها زائلة.
فإن قالوا: وكيف لا تكون التقية عنها زائلة، وهى على حال أكثر عددا من جند المتغلب والباغي، والعامة كافة ممسكة لا لها ولا عليها.
قلنا: إنه ليس في حال أكثر عددا. فإذا كانوا أكثر عددا وكانت التقية زائلة، فعليهم إقامته.
فإن قالوا: فلم جعلتم لهم التقية، وأسقطتم عنهم الفرض في الحال التي هم فيها أكثر عددا؟
قلنا: لأسباب، منها أن العدو إذا كان معدا، ذا سلاح وعتاد وكراع، وكانوا على هيئة وأمرهم جميع، فقليل مجتمع أكثر من كثير نشر (2). مع أن معهم أنفذ السلاحين، وأوفر العتادين: الضرا (1) والدربة، وحسن التدبير والمعرفة، بطول الممارسة وكثرة الحاجة.
ومنها أن الخاصة وإن عرفت موضع المستحق، وظهر لها المستوجب، وكانوا أكثر جماحا، فكل واحد منهم على ثقة من محل صاحبه به (3) وخذلانه له. ولابد، ما دامت التقية، من التواكل والتخاذل، وإن

(1) ضري بالشئ ضرا: لهج به وصار عادة له.
(2) النشر: المتفرق. (3) المحل والمحال: المكر والكيد.
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»