العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٥٢
لان النفس لو أدركت كل بغية. وأوفت على كل غاية، وفتحت كل مستغلق، واستثارت كل دفين، ثم لم يطعها اللسان بحسن العبارة، واليد بحسن الكتابة، كان وجود ذلك المستنبط - وإن جل قدره وعظم خطره - [وعدمه (1)] سواء.
فالخاصة تحتاج إلى العامة كحاجة العامة إلى الخاصة. وكذلك القلب والجارحة، وإنما العامة جنة للدفع، وسلاح للقطع، وكالترس للرامي، والفأس للنجار. وليس مضى (2) سيف صارم بكف امرئ صارم بأمضى من شجاع أطاع أميره وقلد إمامه! وما كلب أشلاه ربه وأحمشه كلابه، بأفرط تنزقا (3) ولا أسرع تقدما، ولا أشد تهورا، من جندي أغراه طمعه، وصاح به قائده.
وليس في الأعمال أقل من الاختيار، ولا في الاختيار أقل من الصواب، فلباب كل عمل اختياره، وصفوة كل اختيار صوابه، ومع كثرة الاختيار يكثر الصواب. فأكثر الناس اختيارا أكثرهم صوابا، وأكثرهم أسبابا موجبة أقلهم اختيارا، وأقلهم اختيارا أقلهم صوابا.
فإن قالوا: فقد ينبغي للعوام ألا يكونوا مأمورين ولا منهيين، ولا عاصين ولا مطيعين.
قيل لهم: أما فيما يعرفون فقد يطيعون ويعصون.
فإن قالوا: فما الامر الذي يعرفون من الامر الذي يجهلون؟

(1) التكملة من ب.
(2) في الأصل: " يمضى " صوابه في ب.
(3) ب: " نزقا ".
(٢٥٢)
مفاتيح البحث: الإختيار، الخيار (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»