عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥٢
الجنون فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه وربما مات غما وربما وصل إلى معشوقه فيموت فرحا أو أسفا وربما شهق شهقة فتختفي منها روحه أربعا وعشرين ساعة فيظن أنه قد مات فيقبر وهو حي وربما تنفس الصعداء فتختنق نفسه في تامور قلبه ويضم عليها القلب فلا تنفرج حتى يموت وربما ارتاح وتشوق للنظر ورأى من يحب فجأة فتخرج نفسه فجأة دفعة واحدة وأنت ترى العاشق إذا سمع بذكر من يحب كيف يهرب دمه ويستحيل لونه وزوال ذلك عمن هذه حاله بلطف من رب العالمين لا بتدبير من الآدميين وذلك أن المكروه العارض من سبب قائم منفرد بنفسه يتهيأ التلطف بإزالته بإزالة سببه فإذا وقع السببان وكل واحد منهما علة لصاحبه لم يكن إلى زوال واحد منهما سبيل وإذا كانت السوداء سببا لاتصال الفكر وكان اتصال الفكر سببا لاحتراق الدم والصفراء وميلهما إلى السوداء والسوداء كلما قويت قوت الفكر والفكر كلما قوي قوى السوداء فهذا الداء العياء الذي يعجز عن معالجته الأطباء ومن كلامه قال الجسد يعالج جملة من خمسة أضرب ما في الرأس بالغرغرة وما في المعدة بالقيء وما في البدن بإسهال البطن وما بين الجلدين بالعرق وما في العمق وداخل العروق بإرسال الدم وقال الصفراء بيتها المرارة وسلطانها في الكبد والبلغم بيته المعدة وسلطانه في الصدر والسوداء بيتها الطحال وسلطانها في القلب والدم بيته القلب وسلطانه في الرأس وقال لتلميذ له ليكن أفضل وسيلتك إلى الناس محبتك لهم والتفقد لأمورهم ومعرفة حالهم واصطناع المعروف إليهم ومن كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم للمبشر بن فاتك من كلام أبقراط أيضا وآدابه قال استدامة الصحة تكون بترك التكاسل عن التعب وبترك الامتلاء عن الطعام والشراب وقال إن أنت فعلت ما ينبغي على ما ينبغي أن يفعل فلم يكن ما ينبغي فلا تنتقل عما أنت عليه ما دام ما رأيته أول الأمر ثابتا وقال الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع وقال أما العقلاء فيجب أن يسقوا الخمر وأما الحمقى فيجب أن يسقوا الخربق وقال ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»