عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ١٢
والذين يعتقدون القدم يعتقدون في الطب قدمه ويقولون أن صناعة الطب قديمة لم تزل مذ كانت كأحد الأشياء القديمة لم تزل مثل خلق الإنسان وأما أصحاب الحدوث فينقسم قولهم إلى قسمين فبعضهم يقول أن الطب خلق مع خلق الإنسان إذ كان من أحد الأشياء التي بها صلاح الإنسان وبعضهم يقول وهم الجمهور أن الطب استخرج بعد وهؤلاء أيضا ينقسمون قسمين فمنهم من يقول أن الله تعالى ألهمها الناس وأصحاب هذا الرأي على ما يقوله جالينوس وابقراط وجميع أصحاب القياس وشعراء اليونانيين ومنهم من يقول أن الناس استخرجوها وهؤلاء قوم من أصحاب التجربة وأصحاب الحيل وثاسلس المغالط وفيلن وهم أيضا مختلفون في الوضع الذي به استخرجت وبماذا استخرجت فبعضهم يقول أن أهل مصر استخرجوها ويصححون ذلك من الدواء المسمى باليونانية الأنى وهو الراسن فبعضهم يقول أن هرمس استخرج سائر الصنائع والفلسفة والطب وبعضهم يقول أن أهل فولوس استخرجوها من الأدوية التي ألفتها القابلة لامرأة الملك فكان بها برؤها وبعضهم يقول أن أهل موسيا وأفروجيا استخرجوها وذلك أن هؤلاء أول من استخرج الزمر فكانوا يشفون بتلك الألحان والإيقاعات آلام النفس ويشفي آلام النفس ما يشفى به البدن وبعضهم يقول أن المستخرج لها الحكماء من أهل قو وهي الجزيرة التي كان بها ابقراط وآباؤه وأعني آل أسقليبيوس وقد ذكر كثير من القدماء أن الطب ظهر في ثلاث جزائر في وسط الإقليم الرابع إحداها تسمى رودس والثانية تسمى قنيدس والثالثة تسمى قو ومن هذه كان ابقراط وبعضهم يرى أن المستخرج لها الكلدانيون وبعضهم يقول أن المستخرج لها السحرة من أهل اليمن وبعضهم يقول بل السحرة من بابل أو السحرة من فارس وبعضهم يقول أن المستخرج لها الهند وبعضهم يقول أن المستخرج لها أهل أقريطش الذين ينسب لافتيمون إليهم وبعضهم يقول أهل طور سينا فالذين قالوا أن الطب من الله تعالى قال بعضهم هو إلهام بالرؤيا واحتجوا بأن جماعة رأوا في الأحلام أدوية استعملوها في اليقظة فشفتهم من أمراض صعبة وشفت كل من استعملها
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»