الأنساب - السمعاني - ج ٤ - الصفحة ٣٦
سام بن نوح. وقيل: خرج من طئ ثلاثة لا نظير لهم: حاتم في جوده، وداود في فقهه وزهده، وأبو تمام في شعره.
فأما حاتم: فجاهلي لا نذكره.
وأما داود بن نصير الطايي كنيته أبو سليمان، الكوفي، اشتغل بالعلم مدة ودرس الفقه وغيره من العلوم، ثم اختار بعد ذلك العزلة. وآثر الانفراد والخلوة، ولزم العبادة واجتهد فيها إلى آخر عمره. وحكي عن سفيان بن عيينة أنه قال: كان داود الطايي ممن علم وفقه، وكان يختلف إلى أبي حنيفة رحمه الله حتى نفذ في ذلك الكلام، قال: فأخذ حصاة فحذف بها إنسانا، فقال له: يا أبا سليمان طال لسانك وطالت يدك! قال: فاختلف بعد ذلك سنة لا يسأل ولا يجيب، فلما علم أنه يصبر عمد إلى كتبه فغرقها في الفرات، ثم أقبل على العبادة وتخلى. وقال غيره: كان لداود ثلاثمائة درهم فعاش بها عشرين سنة ينفقها على نفسه.
قال: وكنا ندخل عليه فلم يكن في بيته إلا بارية (1) ولبنة يضع عليها رأسه، وإجانة فيها خبز، ومطهرة يتوضأ منها ومنها يشرب، وورث من أمه دارا، وكان ينتقل في بيوت الدار كلما خرب بيت من الدار انتقل منه إلى آخر ولم يعمره، حتى أتى على عامة بيوت الدار. قال:
وورث عن أبيه دنانير وكان ينفق منها حتى كفن بآخرها، وصام أربعين سنة ما علم به أهله، وكان خزازا، وكان يحمل غداءه معه ويتصدق به في الطريق، ويرجع إلى أهله يفطر عشاء لا يعلمون أنه صائم. وقال شعيب بن حرب: دخلت على داود الطايي فأكربني الحر في منزله، فقلت له: لو خرجنا إلى الدار نستروح! فقال: إني لأستحيي من الله أن أخطو خطوة لذة. وكانت له داية تدق الخبز اليابس وتطرحه في قصعة وتصب فيه الماء ويشربه داود، فقالت له دايته: يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز؟ قال: يا داية بين مضغ الخبر اليابس وشرب الفتيت قراءة خمسين آية! وكان محارب بن دثار يقول: لو كان داود الطايي في الأمم الماضية لقص الله علينا من خبره! ومات داود بالكوفة سنة ستين ومائة، وقيل: سنة خمس وستين ومائة.
وأما أبو تمام: فهو: حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس بن الأشج بن يحيى بن مرينا بن سهم بن خلجان بن مروان بن دفافة بن مر بن سعد بن كاهل بن عمرو بن

(1) البارية: الحصير المنسوج.
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»