الأنساب - السمعاني - ج ٣ - الصفحة ٣٨٨
معهم، فدخلنا وصففنا خلف الامام، وجعلوا يقرؤون في صلاتهم ويولولون، ونحن نتعجب من ولولتهم في الصلاة، وكنا نسكت خلف الامام فلا نقرأ شيئا من القرآن، وينظرون إلينا نظرا شزرا، فلما فرغ الامام حملوا علينا وقالوا: ما هذا الكسل الذي أنتم فيه، فلم لا تقرؤون الفاتحة؟! فمن الكسل تركتم الفاتحة خلف الامام؟! فقلت أنا لهم: حتى يجيبكم عن هذه المسألة فقيهنا، فإنه كبيرنا، فسمع الفقيه أبو سعيد الشامي مناظرتنا، فقال: اسمعوا حتى أجيبكم، فإنا لسنا بكسالى، ولكن الساعة كسل إمامكم في إفراد الإقامة، حملنا على هذا الكسل الذي تركنا القراءة خلف الإمام، وإنما تعلمنا الكسل منكم، ولو ثنيتم الإقامة ولم تكسلوا فيها لما اجترأنا على هذا الكسل الذي تعيرونا به! فأسكتهم بهذا الجواب ونجونا.
قال: وله مثل هذه الحكايات العجيبة المليحة، وحكى في مجلسه ذلك عنه أيضا فقال:
كنا معه بالنور فدخلنا كرمينية يوم الجمعة، فصلى مع الناس الجمعة وأمرناه بارتقاء المنبر للوعظ فارتقاه، فسألوه عن جواز الجمعة بكرمينية: هل تجوز أم لا؟ فقال: إن قلت تجوز فقد خالفت السلف، فإنهم كانوا لا يجوزون، فقلت: لا أخالف سلفي، وقلت: لا تجوز، فقالوا: لم؟ قال: لأنها ليست ببلدة وهي قرية، والقرى لا يجمع فيها، والدليل على أنها قرية أن العريش يفتل (1) في باب الجامع، وعندنا العريش يفتل على أبواب القرى، فلو لم تكن هذه البقعة قرية، وإلا لم فعلتم هذا الفعل على باب جامعكم؟ فأسكتهم بهذه الحجة.
قلت: هذه من الحجج التي قال فيها الشاعر:
حجج تكاسر كالزجاج تخالها * حقا، وكل كاسر مكسور وجماعة سوى هؤلاء ينتسبون بهذه النسبة، و " شامة " اسم بعض أجدادهم منهم:
يحيى بن زكريا بن يحيى بن عبد الملك الثقفي الشامي، يعرف بابن الشامة أندلسي، توفي سنة خمس وسبعين ومائتين.

(١) وفي " النهاية " لابن الأثير 3: 207: " كانوا يأتون النخيل فيبتنون من سعفه مثل الكوخ، فيقيمون فيه " فلعل فتل العريش المذكور هنا: نسجه من سعف النخيل، ويكون أبو سعيد الشامي أراد تقريع أهل كرمينية على إقامتهم هذا العمل الممتهن على أبواب المساجد. وهي جديرة بالتنزيه عنها، والله أعلم.
(٣٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 ... » »»