الإصابة - ابن حجر - ج ١ - الصفحة ٣٧
والناظر في السنة يجدها في كثرتها الغمرة تدور على مثل تلك الوقائع والحوادث والأسئلة.
وقد قرر علماء النفس ان ارتباط المعلومات بأمور مقارنة لها في الفكر، تجعلها أبقى على الزمن وأثبت في النفس، فلا بدع ان يكون ما ذكرنا داعية من دواعي حفظ الصحابة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على حين انهم هم المشاهدون لتلك الوقائع والحوادث المشافهون بخطاب الحق، والمواجهون بخطاب الحق، المواجهون بكلام سيد الخلق في هذه المناسبات الملائمة والأسباب القيمة التي تجعل نفوسهم مسيشرقة لقضاء الله فيها، متعطشة إلى حديث رسوله عنها، فينزل الكلام على القلوب، وهي متشوقة كما ينزل الغيث على الأرض وهي متعطشة تنهله بلهف، وتأخذه بشغف، وتمسكه وتحرص عليه بيقظة، وتعتز به وتعتد عن حقيقة، وتنتفع به وتنفع بل تهتز به وتربو، وتنبت من كل زوج بهيج.
العامل التاسع:
اقتران القرآن دائما بالاعجاز، واقتران بعض الأحاديث النبوية بأمور خارقة للعادة تروع النفس، وتشوق الناظر وتهول السامع وانما اعتبرنا ذلك الاعجاز وخرق العادة من عوامل حفظ الصحابة، لأنه الشأن فيما يخرج على نواميس الكون و قوانينه العامة انه يتقرر في حافظة من شاهدة، وانه يتركز في فؤاد كل من عينه فرا كان أو أمة، حتى لقد يتخذ مبدأ تؤرخ بحدوقه الأيام والسنون، وتقاس بوجوه الاعمار.
اما القرآن الكريم فاعجازه سار فيه سريان الماء في العود الأخضر، لا تكاد تخلو سورة ولا آية منه، وأعرف الناس بوجوه اعجازه وأعظمهم ذوقا لأسرار بلاغته هم الأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم يصدرون في هذه المعرفة وهذا الذوق عن فطنتهم العربية الصافية وسليقتهم السليمة السامية، ومن هذا كان القرآن حياتهم الصحيحة به يقومون ويقعدون وينامون ويستيقظون ويعيشون ويتعاملون، ويلتذون ويتعبدون وهذا هو معنى كونه روحا في قول الله سبحانه: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) وليست هناك طائفة في التاريخ تمثل فيها القرآن روحا كما تمثل في هذه الطبقة العليا الكريمة طبقة الصحابة الذين وهبوه حياتهم فوهبهم الحياة، وطبعهم طبقة جديدة حتى
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»