الإصابة - ابن حجر - ج ١ - الصفحة ٢١
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان خير القرون قرنه مطلقا، وذلك يقتضي تقريمهم في كل باب من أبواب الخير، والا لو كان خيرا من بعض الوجوه فلا يكونون خير القرون مطلقا.
وقد يقول قائل: ان هذه الأذلة تتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه قبل الفتح، واما من أسلم بعد الفتح فلا دليل على عدالتهم، فأسوق جوابا له قول الدكتور محمد السماحي: " واما مسلمة الفتح والاعراب الوافدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء لم يتحلوا من السنة مثل ما تحمل الصحابة الملازمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تعرض منهم للرواية كحكيم بن حزام وعتاب وغيرهم عرفوا بالصدق والديانة وغاية الأمانة على أنه ورد ما يجعلهم أفضل من سواهم من القرون بعدهم، كقوله صلى الله عليه وسلم: " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب " وهو حديث صحيح مروي في " الصحيحين " وغيرهما بألفاظ مختلفه، والخيرية لا تكون الا للعدول الذين يلتزمون الدين والعمل به. وقال تعالى: (كنتم هير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) والخطاب الشفهي لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حضر نزول الوحي، وهو يشمل جميعهم، وكذلك قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، وسطا: عدولا.
فالاسلام كان في أول شبابه فتيا قويا في قلوب من أذعنوا له واتبعوه هداه، وتمسكوا بمبادئه، واصطبغوا بصبغته، فكانت العالة قوية في نفوسهم شائعة في آحادهم، حتى اننا نرى الذين وقعوا منهم في الكبائر ما لبثوا أن ساقتهم عزائمهم إلى الاعتراف وطلب الحد، ليطهروا به أنفسهم، وسارعوا إلى التوبة حيث تاب الله عليهم، ولا نريد بقولنا: الصحابة عدول - أكثر من أن ظاهرهم العدالة.
ثناء أهل العلم على الصحابة وهذا الثناء للاستئناس وليس للتدليل إذ لا يصح القول مع الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»