سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٧ - الصفحة ١٧٥
يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان منحرفا غاليا عن معاوية رضي الله عنه وعن أهل بيته، يتظاهر بذلك، ولا يعتذر منه، فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة، سمعت عبد الواحد المليحي، سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: دخلت على الحاكم وهو في داره، لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرام (1)، وذلك أنهم كسروا منبره، ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثا، لاسترحت من المحنة، فقال: لا يجئ من قلبي، لا يجئ من قلبي (2).
وسمعت المظفر بن حمزة بجرجان، سمعت أبا سعد الماليني يقول: طالعت كتاب " المستدرك على الشيخين "، الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أر فيه حديثا على شرطهما (3).
قلت: هذه مكابرة وغلو، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا، بل في " المستدرك " شئ كثير على شرطهما، وشئ كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المئة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها

(١) هو إمام الكرامية، إحدى الفرق المبتدعة في الاسلام. مرت ترجمته في الجزء الحادي عشر برقم (١٤٦).
(٢) " المنتظم " ٧ / ٧٥، و " تذكرة الحفاظ " ٣ / ١٠٥٤، و " الوافي بالوفيات " ٣ / ٣٢٠، ٣٢١، و " طبقات " السبكي ٤ / ١٦٢، ١٦٣.
(٣) " الوافي بالوفيات " 3 / 321، و " طبقات " السبكي 4 / 165.
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»