سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٦ - الصفحة ٢٠٨
وحدثني محمد بن علي الزينبي، حدثنا محمد بن علي بن نوح، قال:
كنا في دار القاضي أبي الطاهر، نسمع عليه، فلما قمنا، صاح بي بعض من حضر: يا قاضي - وكنت ألقب بذلك - فسمع القاضي أبو الطاهر، فبعث إلينا حاجبه، فقال: من القاضي فيكم؟ فأشاروا إلي، فلما دخلت عليه، قال لي: أنت القاضي؟ فقلت: نعم. قال لي: فأنا ماذا؟ فسكت، ثم قلت:
هو لقب لي، فتبسم وقال لي: تحفظ القرآن؟ قلت: نعم. قال: تبيت عندنا الليلة أنت وأربعة أنفس معك، وتواعدهم ممن تعلمه يحفظ القرآن والأدب، قال: ففعلت ذلك، وأتينا المغرب، فقدم إلينا ألوان وحلواء، ولم يحضر القاضي، فلما قاربنا الفراغ خرج إلينا يزحف من تحت ستر، ومنعنا من القيام، وقال: كلوا معي فلم آكل بعد، ولا يجوز أن تدعوني آكل وحدي، فعرفنا أن الذي دعاه إلى مبيتنا عنده غمه على ولده أبي العباس، وكان غائبا بمكة، ثم أمر من يقرأ منا، ثم استحضر ابن المقارعي، وأمره بأن يقول، أي يغني، فقام جماعة منا، وتواجدوا بين يديه، ثم قال شعرا في وقته، ألقاه على ابن المقارعي، فغنى به، وهو:
يا طالبا بعد قتلي * الحج لله نسكا فبكى القاضي بكاء شديدا، وقدم ابنه بعد أيام يسيرة.
نقل هذه الفوائد أمين الدين محمد بن أحمد بن شهيد، من خط عبد الغني بن سعيد، ومن خطه نقلت.
قال ابن زولاق في " قضاة مصر ": ولد الذهلي ببغداد في ذي الحجة سنة تسع وسبعين، وكان أبوه يلي قضاء واسط، فعزل بابنه أبي طاهر عنها، وأخبرني أبو طاهر أنه كان يخلف أباه على البصرة في سنة أربع وتسعين.. إلى أن قال: وولي قضاء دمشق من قبل الخليفة المطيع، فأقام
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»