سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٣ - الصفحة ١٧٢
بويع بعد أبيه في سنة ثمان وثلاثين ومئتين على مدائن الأندلس. وكان كثير الغزو والتوغل في بلاد الروم، يبقى في الغزوة السنة والسنتين، قتلا وسبيا.
قال الحافظ بقي بن مخلد: ما رأيت ولا علمت أحدا من الملوك أبلغ لفظا من الأمير محمد بن عبد الرحمن. ولا أفصح ولا أعقل منه.
قال سبط ابن الجوزي: هو صاحب وقعة سليط (1)، وهي ملحمة عظمي، يقال: إنه قتل فيها ثلاث مئة ألف كافر، وهذا شئ ما سمع بمثله قط، ومدحته الشعراء (2).
مات في صفر سنة ثلاث وسبعين ومئتين.
وقام بعده ابنه المنذر (3)، فلم تطل أيامه.

(1) جاء في " البيان المغرب ": 2 / 168 - 169، حول وقعة وادي سليط: " قال أبو عمر السالمي: كانت أولى غزواته إلى بلد العدو، وحشد لها، وجند، وصوب كيف شاء وقد ألفي العدو وقد ضاق بخيله الفضاء الواسع، والمكان الداني والشاسع، وهو متأهب للقائه، متوجه إلى تلقائه. فخامر الأمير محمدا الجزع، وشابه الروع والفزع، وظن أن لا منجاة من الكفار، وأن المسلمين هناك طعم الشفار. فرأى من الحزم الأوكد، والنظر الأحمد الأرشد الرجوع عن تلك الحركة، لقوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * [سورة البقرة: 195]. فقام رجل، فقال: أيها الأمير: قال الله تبارك وتعالى: * (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم...) * [آل عمران: 173]. فقال له الأمير محمد: والله ما حذرت نفسي، إلا أنه لا رأي لمن لا يطاع، ولست أستطيع أن أجاهد وحدي: فقال له العتبي: والله ما أراه قذف بها على لسانه إلا ملك، فاستخر الله في ليلك هذا وفي يومك. فأراه الله في مقابلة العدو الرشاد والهمة والتوفيق والسداد، فندب الناس إلى لقاء أعداء الله ونصر دينه، وأن يكون كل على أحسن ظنه من الظفر ويقينه.
فما انعقدت راياتهم، وتأكدت على المقارعة نياتهم، قدم عليهم الأمير محمد ابنه المنذر إذ كان مشهورا بالبأس، محبوبا في الناس. فسار المسلمون إلى أن التقى الجمعان، والتف الفريقان، فأعقب الله لأوليائه ظفرا ونصرا، وجعل بعد عسر يسرا ".
(2) انظر بعض ما قيل فيه، في " البيان المغرب ": 2 / 166 وما بعدها.
(3) أخباره في " البيان المغرب ": 2 / 170 - 181.
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»