سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٦ - الصفحة ٢٦٢
ليس هذا من لباسك، ولا لباس آبائك، فقال: كان ذاك زمانا مقترا، وكانوا يعملون على قدر إقتاره وإفقاره، وهذا زمان قد أسبل كل شئ فيه عزاليه (1).
ثم حسر عن ردن جبته، فإذا فيها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل، وقال: لبسنا هذا لله، وهذا لكم، فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه.
وقيل: كان جعفر يقول: كيف أعتذر وقد احتججت، وكيف أحتج وقد علمت؟
روى يحيى بن أبي بكير عن هياج بن بسطام قال كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شئ.
عن بعض أصحاب جعفر بن محمد، عن جعفر، وسئل: لم حرم الله الربا؟
قال: لئلا يتمانع الناس المعروف.
وعن هشام بن عباد، سمعت جعفر بن محمد يقول: الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين، فاتهموهم.
وبه حدثنا الطبراني، حدثنا أحمد بن زيد بن الجريش، حدثنا الرياشي، حدثنا الأصمعي قال: قال جعفر بن محمد: الصلاة قربان كل تقي، والحج جهاد كل ضعيف، وزكاة البدن الصيام، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، واستنزلوا الرزق بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة. وما عال من اقتصد، والتقدير نصف العيش، وقلة العيال أحد اليسارين، ومن أحزن والديه، فقد عقهما، ومن ضرب بيده على فخذه عند مصيبة فقد حبط أجره، والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، والله ينزل الصبر على قدر المصيبة

(1) العزالي: جمع العزلاء، وهو فم المزادة الأسفل، وفي الحديث: " وأرسلت السماء عزاليها " أي: كثر مطرها على المثل. والمراد هنا، أن الخير قد كثر وعم.
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»