سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٥ - الصفحة ٢٧٧
حفظه، قرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها.
وقال عبد الله بن إدريس: قال شعبة: نصصت على قتادة سبعين حديثا كلها يقول: سمعت أنس بن مالك.
قال شعبة: لا يعرف لقتادة سماع من أبي رافع، وقال يحيى بن معين:
لم يسمع قتادة من سعيد بن جبير ولا من مجاهد، قال يحيى بن سعيد القطان: لم يسمع قتادة من سليمان بن يسار، وقال أحمد بن حنبل: لم يسمع من معاذة العدوية.
قلت: قد عدوا رواية قتادة، عن جماعة هكذا من غير سماع، وكان مدلسا.
قال وكيع: كان سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي وغيرهما يقولون: قال قتادة: كل شئ بقدر إلا المعاصي (1).
وروى ضمرة، عن ابن شوذب، قال: ما كان قتادة لا يرضى حتى يصيح به صياحا يعني: القدر. قلت: قد اعتذرنا عنه وعن أمثاله، فإن الله عذرهم، فيا حبذا، وإن هو عذبهم، فإن الله لا يظلم الناس شيئا، ألا له الخلق والامر.
وقد كان قتادة أيضا رأسا في العربية والغريب وأيام العرب، وأنسابها

(١) يغلب على الظن أن القدر الذي نفاه قتادة رحمه الله إنما هو القدر الذي حكاه الله تعالى عن المشركين في قوله * (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولاحرمنا من شئ..) * وقد رد الله مقالتهم تلك ووصفهم بالكذب والجهل، واتباع الظنون والأوهام، فقال: * (كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم، فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) * وقد اتفق الأئمة الذين يعتد بهم في هذا الشأن: أن قدرة العبد مؤثرة في عمله كتأثير سائر الأسباب في المسببات بمشيئة الله الذي ربط بعضها ببعض كما هو ثابت بالحس والوجدان والقرآن.
والله سبحانه يكره من عباده أن يعملوا الشر وإن وقع بإرادته إذ لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، وليس معنى المشيئة أنه يحب ذلك الشر بل معناها: أن الشر لا يقع على الرغم منه، وحاشا له. وإرادة الله لا ترغم العبد على فعل الشر، فلو أن العبد فعل الخير بدل الشر، لكان فعل الخير بإرادته سبحانه أيضا فالطاعات والمعاصي تقع من العبد بإرادة الله سبحانه ومشيئته، أي: بغير أن يكون مكرها على وقوعها، كما أن مشيئته تعالى لم تكره العبد على المعصية التي تقع منه.
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»