سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١ - الصفحة ٥٠٧
لأبي ضيعة عظيمة، فشغل في بنيان له يوما، فقال لي: يا بني! إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها، وأمرني ببعض ما يريد.
فخرجت، ثم قال: لا تحتبس علي، فإنك إن احتبست علي كنت أهم إلي من ضيعتي، وشغلتني عن كل شئ من أمري. فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس بحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم، وسمعت أصواتهم، دخلت إليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلواتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال: أي بني! أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قلت: يا أبة! مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس. قال: أي (1) بني! ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قلت: كلا والله!
إنه لخير من ديننا. قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثم حبسني في بيته. قال: وبعثت إلى النصارى فقلت: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى، فأخبروني بهم. فقدم عليهم ركب من الشام. قال: فأخبروني بهم، فقلت: إذا قضوا حوائجهم، وأرادوا الرجعة، فأخبروني. قال: ففعلوا.
فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام. فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة.
فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك

(1) تحرفت في المطبوع إلى " أبي ".
(٥٠٧)
مفاتيح البحث: الشام (4)، الضياع (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 ... » »»