لا يقال لا نسلم تساوي حالتي الاختيار والضرورة، لأنا نقول نعني بالتساوي ههنا اتحاد هما في الحكم بالتنجيس، لسقوط التعليل بالمشقة والحرج في نظر الشرع، إذ هو حوالة على وصف خفي مضطرب، ومثل هذا لا يجعله الشارع مناطا للحكم، ولأنه يشبه الجاري بمادته فيشبهه في الحكم، وقد نص الرضا (عليه السلام) على هذه العلة، ولا شك أن الجاري يطهر بتواتر جريانه حتى يزول التغيير، فكذا البئر إذا زال التغيير بالنزح يعلم حصول الجريان من النابع الموجب لزوال التغيير، وفيه مع أنه مناف للأولوية، إذ من البين أنه إذا نزح له الجميع مثلا مع عدم التغيير، أو غير ذلك من المقدرات، فمعه بطريق أولى، وكيف يعقل ذلك مع أن التغير هو ذلك السبب وزيادة لا أقل من بقاء مقتضي السبب الأول أنه مناف لمقتضى الجمع بين الأدلة، لأنه في الحقيقة حينئذ تخصيص لتلك الأدلة الدالة على المقدرات بأسرها، مع أن التعارض بينهما العموم من وجه، والترجيح والاحتياط بغير ما ذكر، ولذلك كان المشهور على خلافه، على أن هذه الأخبار قد عرفت أن القائلين بالنجاسة قد أعرضوا عن بعض ما تضمنته من عدم التنجيس بغير التغيير، وذلك مما يراعى عند الترجيح بين الأخبار، وما يقال من إنكار الأولية، ومن أن أخبار التقادير مبنية على عدم التغيير لا وجه له، لمكان ظهور الأولية ظهورا لا يكاد ينكر، ولأن سلم فلا ريب في تناول قوله (عليه السلام) (1) موت البعير مثلا ينزح له كذا لما نحن فيه وغيره، مع أن التغيير ببقائه ميتا في البئر لا يرفع السبب الأول، إذ هو إن لم تكن مؤثرا زائدا على التقدير فلا أقل من أن لا يؤثر. ولا معنى لقوله أن أخبار التقدير مبنية على عدم التغيير، لعدم دلالة تلك الأخبار على الاشتراط المذكور بوجه من الوجوه، نعم هي دالة على أن هذا المقدار من النزح واجب وإن لم يحصل التغيير، لا أنه مأخوذ فيها عدم التغير، الجواهر 34
(٢٧٢)