كان العبد قادرا مختارا لزم تخلف علمه تعالى وصيرورته جهلا.
قلت: لو تم ما ذكرت لزم أن لا يكون الواجب تعالى أيضا قادرا ومختارا مثل ما ذكرت في العبد، لأنه تعالى علم في الأزل أنه ما ذا يفعل مع أن الأشاعرة عادتهم الاستدلال بالعلم الحاصل من عادة الله تعالى في أفعاله تعالى في إثبات أصول دينهم وفروعه، ولزم من ذلك اضطراره تعالى في أفعال العادية، ولا يكون له عز وجل اختيار فيها أصلا، لأنهم لا يجوزون تخلف علمه فيها، إذ مع التجويز يكون ظنا لا علما، فيلزم: إما بطلان أصول دينهم وفروعه، أو خروج الواجب تعالى عن الاختيار، فظهر أن هذه شبهة ظاهرة الفساد.
وحلها أن العلم يطابق المعلوم، بأن المعلوم - لما كان كذا وكذا - علمه كذا، لا أنه لما علمه كذا صار كذا، كما هو الحال في تمام علومنا، من غير فرق بين تقدم المعلوم وتأخره، ولذا لا يلزم أن يكون ما أخبر الله تعالى من أفعاله في الآخرة والدنيا فيما سيأتي أن يكون غير مختار فيها، للعلم بعدم جواز كذبه، وهذا أيضا يرد على الأشاعرة وغير هذا من الشنائع، مثل: أنا نعلم من عادته تعالى أنه يفعل فيما سيأتي من جميع أمور الدنيا مثل ما مضى، مثل: أن لا يفعل الأواني المنكسرة الخرقة علماء ماهرين في العلوم، وغير ذلك مما لا ينتهي عددا. ومثل: أن المولى إذا قال لعبده الذي عصاه في أمر:
إني كنت أعلم أنك تعصيني فيه، فيقول العبد: فإذن لا اختيار لي في إطاعتك فيه. إلى غير ذلك من الشنائع.
فإن قلت: المانع أمر آخر، وهو أن المخلوق: إن كانت أفعاله لازمة