الحكم الكلي في الصورة الأولى والثانية، لأن فرض وجود الموضوع فرض لوجود الحكم فعلا، فيحكم ببقائه بالاستصحاب إذا شك فيه، بخلاف الصورة الثانية، إذ المفروض فيها إنما هو جزء موضوع الحكم أعني العنب مثلا، وأما جزؤه الآخر - أعني الغليان - فهو بعد غير مفروض، فلا يمكن فرض وجود الحكم حتى يحكم ببقائه بالاستصحاب عند عروض الشك فيه لعروض حالة الزبيبية في الموضوع، قال: نعم ما يثبت لجزء الموضوع هو أنه بحيث لو انضم إليه جزؤه الآخر لترتب عليه الحكم، وهو غير مشكوك البقاء، فإنا نقطع بأنه لو انضم الغليان إلى العنب لترتب عليه الحرمة. انتهى ملخصا (1).
أقول: لا ينبغي الريب في أن الأحكام المجعولة على الطبائع الكلية - كقوله تعالى: * (حرمت عليكم الخمر...) *، أو المتعلقة بالأفعال المتعلقة بها، كقوله: " أكرم العالم " - إنما تكون متعلقة بما كان مصداقا حقيقيا لهذه الطبائع، فمصداق الخمر حرام، ومصداق العالم يجب إكرامه، وهكذا الأمر في جميع الكليات الواردة موضوعا للأحكام، فإذا قيل: " المستطيع يجب عليه الحج " فمن كان فردا ومصداقا لكلي المستطيع هو الذي يجب عليه الحج، ففعلية الوجوب والحرمة موقوفة على فعلية تلك العناوين ووجود المصداق لهذه الكليات، فإن الخمر هي المحرمة، وليست الخمر عند العرف إلا ذلك المصداق المأخوذ من العنب مثلا، والعالم هو الواجب إكرامه، وليس إلا ذلك الإنسان الخارجي المتزين بالعلم مثلا، والحج لا يجب إلا على المستطيع، وليس المستطيع إلا الإنسان الموجود الخارجي الذي له زاد وراحلة مثلا، فلو لم يكن هنا خمر ولا عالم ولا مستطيع لما كان حرمة فعلية للخمر، ولا وجوب فعلي للحج ولا للاكرام.
نعم، مع ذلك كله فحرمة الخمر ووجوب إكرام العالم ووجوب الحج على المستطيع كل واحد منها قانون من القوانين الإسلامية، وله وجود قانوني اعتباري،