الترك طلب تركه المنطبق على الفعل - إذ قد يراد من النهي عن الشئ طلب تركه كما هو الحال في تروك الإحرام والصوم، حيث يراد من النهي عن الأكل والشرب ومجامعة النساء، والارتماس في الماء، ولمس المرأة، ولبس المخيط للرجال، والتكحل، والنظر إلى المرأة، والمجادلة وغيرها مما يعتبر عدمه في صحة الإحرام طلب ترك هذه الأمور - فإن هذا النهي لم ينشأ عن مبغوضية تلك الأمور وقيام مفسدة إلزامية بها، بل نشأ عن محبوبية تركها وقيام مصلحة إلزامية به. وعليه لم يكن مثل هذا النهي نهيا حقيقيا ناشئا عن مفسدة ملزمة في متعلقه، بل هو في الواقع أمر ولكن أبرز بصورة النهي في الخارج، إن أريد ذلك فلا معنى له أصلا، وذلك لأن ترك الترك وإن كان مغايرا للفعل مفهوما إلا أنه عينه مصداقا وخارجا، لأنه عنوان انتزاعي له، وليس له ما بإزاء في الخارج ما عداه.
أو فقل: إن في عالم التحقق والوجود أحد شيئين لا ثالث لهما، أحدهما:
الوجود، والثاني: العدم البديل له. وأما عدم العدم فهو لا يتجاوز حد الفرض والتقدير، وليس له واقع في قبالهما، وإلا لأمكن أن يكون في الواقع أعدام غير متناهية، فإن لكل شئ عدما، ولعدمه عدم، وهكذا... إلى أن يذهب إلى مالا نهاية له.
نعم، إنه عنوان انتزاعي منطبق على الوجود، وعليه فالقول بأن الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده في قوة القول بأن الأمر بالشئ يقتضي الأمر بذلك الشئ، وهو قول لا معنى له أصلا.
فالنتيجة: أنه لا يمكن أن يراد من النهي عن الترك طلب تركه، لاستلزام ذلك النزاع في أن الأمر بالشئ يقتضي نفسه، وهذا النزاع لا محصل له أبدا.
وإن أريد بالنهي عن الترك النهي الحقيقي الناشئ عن مبغوضية متعلقه وقيام مفسدة ملزمة به فالنهي بهذا المعنى وإن كان أمرا معقولا في نفسه إلا أنه لا يمكن أن يراد فيما نحن فيه، وذلك لاستحالة أن يكون بغض الترك متحدا مع حب الفعل أو جزئه، وذلك لاستحالة اتحاد الصفتين المتضادتين في الخارج.